وفيه أيضا: المقصد السابع: قد اختلف في أول واجب على المكلف أنه ماذا؟
فالأكثر - ومنهم الشيخ أبو الحسن الأشعري - على أنه معرفة الله تعالى، إذ هو أصل المعارف والعقائد الدينية، وعليه يتفرع وجوب كل واجب من الواجبات الشرعية.
وقيل: هو النظر فيها - أي في معرفة الله سبحانه - لأ نه واجب اتفاقا كما مر، وهو قبلها. وهذا مذهب جمهور المعتزلة والأستاذ أبي إسحاق الاسفرائني. وقيل: هو أول جزء من النظر، لأن وجوب الكل يستلزم وجوب أجزائه، فأول جزء من النظر واجب ومقدم على النظر المتقدم على المعرفة. وقال القاضي واختاره ابن فورك وإمام الحرمين:
أ نه القصد إلى النظر، لأن النظر فعل اختياري مسبوق بالقصد المتقدم على أول أجزائه.
والنزاع لفظي، إذ لو أريد الواجب بالقصد الأول - أي أريد أول الواجبات المقصودة أولا وبالذات - فهو المعرفة اتفاقا، وإلا - أي وإن لم يرد ذلك بل أريد أول الواجبات مطلقا - فالقصد إلى النظر، لأ نه مقدمة للنظر الواجب مطلقا، فيكون واجبا أيضا. وقد عرفت أن وجوب المقدمة إنما يتم في السبب المستلزم دون غيره (1) انتهى ما أردنا نقله.
وفي الشرح العضدي للمختصر الحاجبي - في مقام ذكر أدلة المعتزلة لإثبات الحسن والقبح العقليين وردها - قالوا: لو كان شرعيا لزم افحام الرسل، فلا تفيد البعثة وبطلانه ظاهر. بيانه: إذا قال الرسول: " أنظر في معجزتي كي تعلم صدقي " فله أن يقول: " لا أنظر فيه حتى يجب علي النظر وأ نه لا يجب حتى أنظر " أو يقول: " لا يجب علي حتى يثبت الشرع ولا يثبت الشرع حتى أنظر وأنا لا أنظر " ويكون هذا القول حقا ولا سبيل للرسول إلى دفعه، وهو حجة عليه وهو معنى الإفحام.
الجواب أما أولا: فإنه مشترك الإلزام، لأ نه إن وجب عندهم بالعقل فليس ضروريا لتوقفه على إفادة النظر للعلم مطلقا وفي الإلهيات خاصة، وعلى أن المعرفة واجبة وأ نها لا تتم إلا بالنظر وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والكل مما لا يثبت إلا بالنظر الدقيق. وإذا كان وجوبه نظريا فللمكلف أن يقول ما تقدم بعينه، وهو أنه " لا يجب ما لم أنظر ولا أنظر ما لم يجب " أو " لا يجب ما لم يحكم