أقول: من المعلوم عند أولي الألباب أن هذه الأحاديث الشريفة ناطقة بأن كل واقعة تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة ورد فيها خطاب قطعي عن الله تعالى، فلم يبق شيء على مجرد إباحته الأصلية، فالتمسك بالبراءة الأصلية لا يجوز في نفي أحكام الله تعالى.
ثم أقول: صرحوا (عليهم السلام) بوجوب التوقف فيما لم يقطع بحكم الله فيه ولا بحكم ورد عنهم (عليهم السلام) فلو جاز التمسك في نفي أحكام الله تعالى بالبراءة الأصلية لما أوجبوا التوقف *، والحديث النبوي المتواتر بين الفريقين المتضمن لحصر الأمور في ثلاثة
____________________
* إنا قد بينا أنه لا نزاع أن الشريعة في نفسها وافية بكل الأحكام التي يحتاج إليها العباد، لكن دعوى حصول العلم القطعي منها في كل مسألة خلاف الوجدان. أما الكتاب: فإن فيه المحكم والمتشابه، وقال سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) وقوله (عليه السلام):
" ولكن لا تبلغه عقول الرجال " (2) واتفاق الأصوليين على أن متنه قطعي ودلالته ظنية. وأما الحديث: فكذلك وقد بيناه سابقا.
ولو كانت الأحكام كلها ظاهرة مقطوعا بها لكل أحد يطلبها من الكتاب والسنة لم يحصل اختلاف. وكونها معلومة للأئمة (عليهم السلام) لا ينفعنا إذا لم يصل علمها إلينا ولا أمكن استعلامه بالقطع.
والتوقف المأمور به إن صح إنما يكون عند تعارض الأدلة واشتباه المرجح أو جهالة المعنى المقصود من اللفظ في الحديث.
والبراءة الأصلية من جملة أدلة الشرع - كما بيناه سابقا - ولا يعمل بها إلا عند انتفاء غيرها من الأدلة بكل وجه، فليست منافية للتوقف في محله، وهي من جملة الأدلة شرعا على الإباحة غير الدليل العقلي الذي استدلوا به على الإباحة الأصلية، فالدليل الشرعي كاشف عنه، كما أشرنا
" ولكن لا تبلغه عقول الرجال " (2) واتفاق الأصوليين على أن متنه قطعي ودلالته ظنية. وأما الحديث: فكذلك وقد بيناه سابقا.
ولو كانت الأحكام كلها ظاهرة مقطوعا بها لكل أحد يطلبها من الكتاب والسنة لم يحصل اختلاف. وكونها معلومة للأئمة (عليهم السلام) لا ينفعنا إذا لم يصل علمها إلينا ولا أمكن استعلامه بالقطع.
والتوقف المأمور به إن صح إنما يكون عند تعارض الأدلة واشتباه المرجح أو جهالة المعنى المقصود من اللفظ في الحديث.
والبراءة الأصلية من جملة أدلة الشرع - كما بيناه سابقا - ولا يعمل بها إلا عند انتفاء غيرها من الأدلة بكل وجه، فليست منافية للتوقف في محله، وهي من جملة الأدلة شرعا على الإباحة غير الدليل العقلي الذي استدلوا به على الإباحة الأصلية، فالدليل الشرعي كاشف عنه، كما أشرنا