أرضه، قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحق ويعمل به، لا يدع للخير غاية إلا أمها ولا مظنة إلا قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله وينزل حيث كان منزله. وآخر قد تسمى عالما فليس به، فاقتبس جهائل من جهال وأضاليل من ضلال ونصب للناس أشراكا من حبائل غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم ويهون كبير الجرائم، يقول: أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول:
أعتزل البدع وبينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ولا باب العمى فيصد عنه، فذلك ميت الأحياء فأين تذهبون!
وأنى تؤفكون! والأعلام قائمة والآيات واضحة والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم! بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم؟ وهم أزمة الحق وألسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ورودوهم ورود الهيم العطاش. أيها الناس! خذوها عن خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) أنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر وركزت فيكم راية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام وألبستكم العافية من عدلي وفرشت لكم المعروف من قولي وفعلي وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي؟ فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا يتغلغل إليه الفكر (1).
ومن كلام له (عليه السلام) في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل: إن أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجل وكله الله تعالى إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به ضال عن هدى من كان قبله مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال خطايا غيره رهن بخطيئته. ورجل قمش جهلا موضع في جهال الأمة عاد في أغباش الفتنة عم بما في عقد الهدنة، قد سماه أشباه الناس عالما وليس به، بكر فاستكثر، من جمع ما قل منه