الكتاب وهو غائب، ولا يكون قابلا للإشارة إليه بألفاظها الموضوعة للإشارة إلى الحاضر، وهذا ليس إلا مجرد دعوى، وإلا فلا غائب عن محضره الربوبي، فإن العالم بقضه وقضيضه أشد حضورا لديه من حضوره عند نفسه، كما تقرر في العلوم العالية، فجميع الألفاظ المستعملة في الغائب والبعيد، يكون مشتملا على نوع مجاز ادعاء، لأن مناط الحضور والغيبة حال التكلم، لا المخاطب والمستمع.
نعم لابد من مصحح هذه الدعوى كما في سائر الموارد، وما هو المصحح ليس إلا إفادة أن تلك الحقيقة بعيدة عن الأنظار، غائبة عن النفوس البشرية، وبهذا ترفع شبهة اتحاد المشير والمشار إليه إذا كان المشار إليه القرآن، كما ورد في المحكي عن الإمام (عليه السلام) أنه قال: " هو القرآن الذي افتتح ب " ألم " هو ذلك الكتاب الذي أخبر به موسى ومن بعده من الأنبياء (عليهم السلام)، وهم أخبروا بني إسرائيل: أني سأنزله عليك يا محمد... " (1) إلى آخره. وهذا الخبر يشير إلى أن " ذلك الكتاب " خبر ل " ألم ".
وغير خفي: أن لتلك الحقيقة مراتب، مرتبة منها ذاته الأزلية السرمدية، ومرتبة منها العترة الطاهرة التي لا تفارقه حتى يردا عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) الحوض، فاختبر.