وفيه: أن " ذلك " للغائب سواء كان بعيدا أو قريبا، هذا مع عدم انحلال الإعضال والإشكال للإشارة بذلك إلى ما فيه كل الريب حسب أفهام عموم الناس، فتدبر.
6 - أن القرآن لما اشتمل على حكم كثيرة وعلوم عظيمة يتعسر الاطلاع عليها بأسرها، فهو وإن كان حاضرا بصورته، ولكنه غائب عن الصور البشرية بسيرته وأسراره، فجاز أن يشار إليه ب " ذلك " (1).
وإن شئت قلت: إن الإنسان حين الانسلاخ من هذا البنيان، يشاهد أو يتحقق بمراتب العالم التي هي بوجه حقائق القرآن، وبوجه مراتب الإنسان، ويظهر من تلك الحقائق بحكم اتباع الداني للعالي، واقتضائه من حظوظ العالي، وإفاضة العالي على الداني صورا مناسبة لتلك الحقائق، كما عرفت في معاني الفواتح، فيسهل عليك معرفة أن قوله تعالى: * (ذلك الكتاب) * إشارة إليها، ولمكان تعظيم تلك الحقائق، وبعدها غاية البعد عن إدراك الأبصار والبصائر، أتى باسم الإشارة للبعيد، بل هذا الاسم من لوازم ذلك البعد المعنوي في النشأة الظاهرة.
والذي هو الحق: أن هناك ادعاء لإفادة الغيبوبة والبعد بإتيان ألفاظها، وذلك الادعاء هو أن الكتاب الذي هو بحقيقته مورد الإشارة لا بلفظه، ضرورة أن لفظه حاضر، وهكذا في جميع مواضع استعمال تلك الألفاظ، فإذا قيل: ذلك الرجل جاءني، فلا يكون اللفظ غائبا، بل المعنى غائب وبعيد، وما هو مورد الإشارة هو معنى الرجل، فما هو مورد الإشارة والإيماء هو معنى