تلك النعمة الوازعة والرحمة الواسعة، وتلك الآلاء الجميلة والنعماء المبسوطة، فهو لأجل الانحراف عن جادة الاعتدال وعن الصراط المستقيم، فالفطرة المخمورة المفطورة بالاستعدادات الذاتية والقوى والإمكانات الاستعدادية - للسير في جميع الكمالات المادية والمعنوية - إذا لم تكن محجوبة بالذنوب والمعاصي، ولم تصر مغطاة بغطاء الظلمة وحجاب المادة، تنالها تلك الرحمات الإلهية والعنايات الربانية.
ولأجل الإشارة إلى تلك البارقة الملكوتية، وهذه المائدة الإلهية، قال في المقام الأول: * (أنعمت عليهم) * بإسناده النعمة إليه تعالى، وفي المقام الثاني والثالث لم يسند إليه تعالى وجئ به بشكل آخر وهو: " المغضوب عليهم " و " الضالين " حتى يعلم ويتوجه الفطن العارف إلى أن الضلالة تنشأ من أعمال العبد المنحرف، والفاسق الكافر والملحد المنكر، وأن المغضوبية تكون من قبل غير الله تعالى، فإنه لا يغضب على أحد ظلما وعدوانا، فهم المغضوب عليهم بأيديهم، * (ما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) * (1) فهم الضالون المتحيرون لدم الاعتناء بشأن الاهتداء، وهم المغضوب عليهم لتوغلهم في أحكام المادة، وانغمارهم في الشهوات النفسانية، فلا حد في ذاته تعالى، ولا في صفته، ولا في فعل من أفعاله. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.