في الآية، بل قد ورد في أخبارنا ما يؤيد الأول (1)، وقد مر طائفة منها فيما سبق حول المراد من الصراط المستقيم (2)، وهذا هو المستظهر من قوله:
* (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *، فإن النعمة المقابلة للغضب والضلالة هي نعمة الإيمان والاعتقادات الصحيحة.
إن قلت: بناء على هذا يلزم الجبر، فإن خالق الإيمان إذا كان هو الله تعالى، فخالق الكفر أيضا هو تعالى.
قلت: ليس معنى خلق الله الإيمان والكفر: أنه تعالى جزافا يريد الإيمان في أحد والكفر في الآخر، بل الكفر والإيمان من كمالات الوجود، ومثل سائر الصور الحالة في محالها ويتقوم بالإمكانات الخاصة الاستعدادية والصور السابقة، إلا أن الإيمان من الكمالات الحقيقية والكفر من الكمالات الوهمية.
فبالجملة: لا شبهة حسب البراهين المقررة في محله، وسيوافيك في بعض البحوث المناسبة: أن إرادته تعالى نافذة، وقدرته تعالى عامة شاملة لكل شئ (3)، وأن إرادة العبد وقدرته رشحة من تلك الإرادة الأزلية الكلية السعية، ولها الدخالة في حصول الإيمان والكفر، من غير كونها علة تامة، فالإيمان والكفر من الأمور التي تكون تحت الاختيار والإرادة بمبادئها وإن لا يتعلق بها الإرادة والاختيار ابتداء.