فجعلوها أقرب إلى الظاء منها إلى الضاد حتى القراء المجودون منهم إلا أهل العراق وأهل تونس - على ما نعلم - أفصح أهل الأمصار نطقا بالضاد، وإننا نجد أعراب الشام وما حولها ينطقون بالضاد، فيحسبها السامع ظاء لشدة قربها منها وشبهها بها، وهذا هو المحفوظ من فصحاء العرب الأولين حتى اشتبه نقلة العربية عنهم في مفردات كثيرة، قالوا: إنها سمعت بالحرفين، وجمعها بعضهم في مصنف مستقل، والأشبه أنه قد اشتبه عليهم أداؤها منهم، فلم يفرقوا (1).
أقول: اختلاف أشكال الحروف كتبا لأجل اختلاف الحروف صوتا وموجا وحقيقة، واختلاف تلك الأصوات والأمواج لاختلاف أسبابها ومبادئها الوجودية، ولو كان الصوت الحاصل من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان ويساره، عين الصوت الحاصل من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا، لما كان وجه لتعدد أشكالها الكتبية وللزم اللغوية، ولما كان وجه للاقتصار على الشكلين، بل كان ينبغي تكثير الحروف الكتبية أكثر من هذا.
فانحصار وجوداتها الكتبية لأجل انحصار وجوداتها السمعية الصوتية، واختلافها كتبا لأجل اختلافها حقيقة وسماعا، فمن يتوهم ذلك فهو لأجل قلة الباع وعدم العثور والاطلاع على جوانب القضايا وشتى مسائلها.
ومن المحرر في محله: أن الأغلاط الإملائية تنشأ من اختلاف الألسنة،