لقوله تعالى: * (أنعمت عليهم) *.
ويمكن تقريب الإشكال بشكل آخر وهو: أن ظاهر الآية أنها في مقام إفادة أن هذه النعمة - التي أنعمها الله تعالى عليهم - ليس من الواجب عليه، بل هو إنعام من غير استحقاق حتى يصح أن يذكر، وإلا فلو كان عن استحقاق فلا يصح التذكير به، وإذا كان لا عن استحقاق، فيكون لمجرد ميل المولى وانعطاف النظر، فإذن يصعب الأمر جدا، ويكون الإشكال المزبور أقوى وأغمض، ضرورة إمكان حل الإشكال على التقريب الأول، باستحقاقهم الإنعام دون الكفار والضالين، ولا يمكن حله على التقريب الأخير المبتني على عدم استحقاقهم شيئا.
أقول: أولا: نمنع ظهور الآية في أن الابتداء بالنعمة المقصودة في هذه الآية، لم يكن عن استحقاق، بمعنى وجود القابلية لنزول تلك النعمة، ضرورة أن الاستحقاق بمعنى كون العبد ذا حق عليه تعالى، ويكون هو تعالى مورد دينه وحقه حتى يجب عليه أداء الحق، بحيث يعد عند المخالفة ظالما وغاصبا، وأما بمعنى ثبوت القابلية والاستعداد الاكتسابي المقرون بالموهبة، فهو ثابت ولازم في اختصاص الفيض وكمال الوجود بطائفة دون أخرى وإلا يلزم الترجيح بلا مرجح والتخصيص بلا مخصص، وهو الممتنع في شريعة العقل، ويلزم تعلق الإرادة جزافا، ويلزم البخل أو الجهل أو العجز بالنسبة إلى غير مورد الفيض وإلى الطائفة الثانية.
وثانيا: لو سلمنا أن هذه الآيات بأسلوبها تدل على أن الإنعام المزبور يصدر عن استحقاق، ولكن ذلك يؤيد عموم قدرته ونفوذ إرادته ورحمته ووسعة آلائه، والذي يصير محروما من هذا الفيض العام، ولا يتناول من