الخلاف في هذه المسألة. واستدلت المعتزلة بهذه الآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد في نار جهنم. وأنه إذا قتل مؤمنا، فإنه يستحق الخلود، ولا يعفى عنه بظاهر اللفظ. ولنا أن نقول: ما أنكرتم أن يكون المراد بالآية للكفار ومن لا ثواب له أصلا. فأما من هو مستحق للثواب، فلا يجوز أن يكون مرادا بالخلود أصلا، لما بيناه فيما مضى من نظائره. وقد روى أصحابنا ان الآية متوجهة إلى من يقتل المؤمن لايمانه، وذلك لا يكون إلا كافرا. وقال عكرمة، وابن جريج: ان الآية نزلت في انسان بعينه ارتد ثم قتل مسلما، فأنزل الله تعالى فيه الآية، لأنه كان مستحلا لقتله، على أنه قد قبل: إن قوله: " خالدا فيها " لا يفهم من الخلود في اللغة الا طول اللبث، فأما البقاء ببقاء الله، فلا يعرف في اللغة، ثم لا خلاف أن الآية مخصوصة بمن لا يتوب، لأنه ان تاب فلابد من العفو عنه اجماعا، وبه قال مجاهد. وقال ابن عباس: لا توبة له ولا إذا قتله في حال الشرك ثم أسلم وتاب.
وبه قال ابن مسعود، وزيد بن ثابت والضحاك. ولا يعترض على ما قلناه قول من يقول إن قاتل العمد لا يوفق للتوبة، لان هذا القول إن صح فإنما يدل على أنه لا يختار التوبة. ولا ينافي ذلك القول بأنها لو حصلت، لا زالت العقاب. وإذا كان لابد من تخصيص الآية واخراج التائبين عنها، جاز لنا ان نخرج منها من يتفضل الله عليه بالعفو على أن ظاهر الآية يتضمن ان جزاءه جهنم فمن أين أن ذلك لابد من حصوله، وان العفو لا يجوز حصوله؟ وهذا قول أبي مجلز وأبي صالح.
ولا يدفع ذلك قوله: " وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما " لان ذلك اخبار عن انه مستحق لذلك، فمن أين حصوله لا محالة؟ وقال الجبائي: الجزاء عبارة عما يفعل، وما لا يفعل لا يسمى جزاء. ألا ترى ان الأجير إذا استحق الأجرة على من استأجره، لا يقال في الدراهم التي مع المستأجر انها جزاء عمله؟!
وإنما يسمى بذلك إذا أعطاه إياها. وهذا ليس بشئ، لان الجزاء عبارة عن المستحق سواء فعل، أولم يفعل الا ترى انا نقول: جزاء من فعل الجميل ان يقابل عليه بمثله، وإن كان ما فعل بعد؟ وإنما يراد انه ينبغي ان يقابل بذلك. ونقول: