الثالث - قال الحسن وأبو علي والبلخي من يرد الله عذابه من قوله " يوم هم على النار يفتنون " أي يعذبون. وقوله " ذوقوا فتنتكم " أي عذابكم. وقوله " ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات " يعني الذين عذبوا.
وأصل الفتنة التخليص من قولهم: فتنت الذهب في النار أي خلصته من الغش والفتنة الاختبار تسمى بذلك لما فيها من تخليص الحال لمن أراد الاضلال. وإنما أراد الحكم عليه بذلك بايراد الحجج. ففيه تمييز وتخليص لحالهم من حال غيرهم من المؤمنين. ومن فسره على العذاب فلأنهم يحرقون كما يحرق خبث الذهب فهم خبث كلهم. ومن فسره على الفضيحة فلما فيها من الدلالة عليهم التي يتميزون بها من غيرهم. وقوله " أولئك لم يرد الله أن يطهر قلوبهم " قيل فيه قولان:
أحدهما - قال أبو علي وغيره لم يرد الله أن يطهرها من الحرج والضيق الدال على دنس الكفر عقوبة لهم.
الثاني - قال البلخي وغيره: لم يرد أن يطهرها من الكفر بالحكم بأنها بريئة منه مندوحة بضده كما يطهر قلوب المؤمنين بذلك. ولا يجوز أن يكون المراد بذلك الذين لم يرد الله منهم الايمان، لأنه لو لم يكن مريدا منهم الايمان، لم يكن مكلفا لهم، لان التكليف هو إرادة ما فيه المشقة والكلفة، ولان الله أمرهم بالايمان - بلا خلاف - والامر لا يكون أمرا إلا بإرادة المأمور به على ما بين في غير موضع.
وقوله: " لهم في الدنيا خزي " يعني لهؤلاء الكفار والمنافقين الذين ذكرهم في الآية، فبين أن لهم خزيا عن عذاب الله في الدنيا وهو ما كان يفعله بهم من الذل والهوان، والبغض والزام الجزية على وجه الصغار " ولهم