قيل في معنى " طوعت له نفسه " ثلاثة أقوال:
أحدها - شجعته نفسه على قتل أخيه في قول مجاهد. وقال قتادة زينت له نفسه قتل أخيه. وقال قوم: معناه ساعدته نفسه على قتل أخيه، فلما حذف حرف الجر نصب قوله " قتل أخيه ".
ومن قال معناه زينت نصبه كأنه مفعول به. يقال طاع لهذه الظبية أصول الشجرة، وطاع لفلان كذا أي أتاه طوعا، ويقال أيضا انطاع. ولا يقال اطاعته نفسه، لان (أطاع) يدل على قصد لموافقة معنى الامر، وليس كذلك طوع، لأنه بمنزلة انطاع له أصول الشجرة. وفي الفعل ما يتعدى إلى نفس الفاعل نحو حرك نفسه، وقتل نفسه. وفيه ما لا يتعدى نحو أمر ونهى، لان الأمر والنهي لا يكون إلا ممن هو أعلى لمن هو دونه.
وقال ابن عباس وابن مسعود وأبو مالك وأبو جعفر (عليه السلام):
إنه قتله بصخرة شدخ رأسه بها، وقال مجاهد: لم يدر كيف يقتله حتى ظهر له إبليس فعلمه ذلك، ظهر في صورة طير، فأخذ طيرا آخر وترك رأسه بين حجرين فشدخه. وقابيل ينظر إليه ففعل مثله. وقيل هو أول قتل كان في الناس. وقوله: " فأصبح من الخاسرين " لا يدل على أنه قتله ليلا، لان معناه صار من الخاسرين بقتله ليلا أو نهارا، لأنه يحسن في هذا أن يقال:
أصبح، لأنه بمنزلة الامر الذي بيت ليلا، فكانت ثمرته الوبال والخسران، والمعنى - ههنا - ذهاب رأس المال بهلاك نفسه. وذلك أعظم الخسران كما قال تعالى " خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة " فمعنى الآية أصبح من الذين باعوا الآخرة بالدنيا، فخسروا في ذلك وخابت صفقتهم.