التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٣ - الصفحة ٤٧٣
لأجل نسيانهم. غير أنه ليس بعقوبة، وإن كان جوابا. فكان الاغراء إنما وقع بينهم من أجل نسيانهم لحظهم من قبل أنهم نسوا ما ذكروا به من معرفة التوحيد، والتدين به، فصاروا إلى القول بالاتحاد والشرك والفرية عليه (تعالى) فلأجل ذلك أمر الله أضدادهم بمعاداتهم، واغرائهم بهم. فان قيل: فان الله (تعالى) ذكر النصارى في هذه الآية بنسيان حظهم ثم أجاب بالفاء في قوله: " فأغرينا بينهم " وليس يصح على هذا أن يكون أغرى بينهم من اجل ما فعله النصارى من الكفر، لأنه إذا أمر اليهود بمعاداة النصارى، لأجل نسيان النصارى وكفرهم فإنما هذا عن امر الله اليهود بهم، وليس باغراء بعضهم ببعض، وقوله: " فأغرينا بينهم " يدل على أن الله بعث كل واحد من الفريقين على صاحبه، وهذا يوجب خلاف قولكم؟!
قيل: الامر على ما قلتم من أن امر اليهود بمعاداة النصارى هو إغراء لهم بهم، وليس باغراء بين النصارى، لكنه تعالى قد ذكر اليهود فيما تقدم من هذه السورة، وتكذيبهم، وفريتهم على الله، ثم ذكر النصارى، فلما جمع بين الفريقين في الذكر في هذه السورة، وان لم يجمعهم في هذه الآية، جاز ان يذكر انه أغرى بينهم العداوة بان امر كل واحد منهما بمعاداة عدوه فيما عصى فيه. وصح الاغراء بينهم والقاء العداوة والتباعد والمنافرة، وصح أن يجعل ذلك جوابا. وقد قال البلخي جوابا آخر: وهوان يكون الاغراء بين النصارى خاصة بعضهم لبعض على ظاهر الآية، وهو أن الله تعالى نصب الأدلة على ابطال قول كل فرقة من فرق النصارى، فإذا عرفت طائفة منها فساد مذهب الأخرى فيما نصب الله لها من الأدلة، وان جهلت فساد مقالة نفسها لتفريطها في ذلك، وسوء اختيارها، فجاز على هذا أن يضاف الاغراء في ذلك إلى الله من حيث إنه امر كل فرقة منها بمعاداة الأخرى على ما تعتقده، وان أمرها أيضا بأن تترك ما هي متمسكة به لفساده وهذا واضح بحمد الله، فان قيل: أيجوز على هذا ان يقال إن الله أغرى بين المؤمنين والكفار العداوة؟
قلنا: اما اغراء المؤمن بالكفر فصحيح، واما اغراء الكافر بالمؤمن، فليس بصحيح، لان ما عليه المؤمنون حق، وما عليه الكفار، باطل. وإنما يقال: إن الله أغرى بين
(٤٧٣)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، النسيان (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»
الفهرست