وقوله: " فأغرينا بينهم " قال مجاهد وقتادة وابن زيد والسدي والجبائي:
معناه بين اليهود والنصارى. وقال الربيع والزجاج والطبري:
معناه بين النصارى. وهو ما وقع بينهم من الخلاف نحو الملكية، وهم الروم والنسطورية، واليعقوبية من العداوة. وأصل الاغراء تسليط بعضهم على بعض.
وقيل: معناه التحريش. وأصله اللصوق. يقال: غريت بالرجل غرى - مقصور وممدود - ومعناه لصقت به. قال كثير:
إذا قيل مهلا قالت العين بالبكا * غراء ومدتها حوافل تهمل واغريت زبدا بكذا حتى غرى به. ومنه الغراء الذي يغرى به للصوق والاغراء بالشئ معناه الالصاق من جهة التسليط. وإنما أغرى بينهم بالأهواء المختلفة في الدين في قول إبراهيم. وقيل. بالقاء البغضاء بينهم - عن الحسن وقتادة - وقيل:
يأمر بعضهم أن يعادي بعضا في قول أبي علي فكأنه يذهب إلى ما تقدم من الامر لهم بمعاداة الكفار. والذي يقوله أن الوجه في اغراء الله فيما بينهم أنه امر النصارى بمعاداة اليهود فيما يفعله اليهود من القبيح في التكذيب بالمسيح، وشتم أمه، والقذف لها والغرية عليها، واضافتها إليه تعالى، ووصفها بما لا يليق، وامر اليهود بمعاداة النصارى في اعتقادهم التثليث، وان المسيح ابن الله وغير ذلك من اعتقاداتهم الفاسدة، نقضوا هذا الميثاق واعرضوا عنه حتى صار بمنزلة المنسي فكان في ذلك أمر كل واحد منهما بالطاعة، فان قيل يمنع من ذلك قوله: (فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) فجعل اغراءه لهم بالعداوة جوابا لقوله: (فنسوا حظا مما ذكروا به) لان الفاء تدل على الجواب. وإذا كانت جوابا، وجب أن يكون (تعالى) إنما أغرى بينهم، لأجل نسيانهم للحظ الذي ذكروا به، وانه عاقبهم بهذا الاغراء، وليس في الأمر والنهي والعبادات عقوبات - بلا خلاف - فدل جوابه بالفاء في قوله: " فأغرينا " عقيب قوله: " فنسوا حظا " على أنه عاقب بالاغراء لا على ما قلتموه؟ قيل: قوله " فنسوا حظا مما ذكروا به " جوابه وانه فعل هذا الاغراء، لأجل نسيانهم. غير أنه ليس بعقوبة، وإن كان جوابا. فكا