واستدلت الخوارج على بطلان الرجم بهذه الآية، قالوا: لما قال الله تعالى:
(فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)، وكان الرجم لا يمكن تبعيضه، دل على أنه لا أصل له، وعلى ما بيناه من أن المراد فعليهن نصف ما على الحرائر، دون ذوات الأزواج، يسقط هذا السؤال. ويدل على أن الاحصان يعبر به عن الحرية زائدا على ما تقدم، قوله في أول الآية: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم) ولا شك أنه أراد الحرة أو العفائف، لان التي لها زوج لا يمكن العقد عليها، وجد طولها أو لم يجد، وقوله:
(والذين يرمون المحصنات) يدل عليه أيضا، لان المراد به المسلمة الحرة، سواء كانت ذات زوج أولم تكن، بلا خلاف. والرجم معلوم من دين المسلمين بالتواتر فإنهم لا يختلفون أنه صلى الله عليه وآله رجم ماعز بن مالك الأسلمي، ورجم يهوديا ويهودية، وعليه جميع الفقهاء من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، فخلاف الخوارج لا يلتفت إليه. وفي الناس من قال: إن قوله: " أن ينكح المحصنات " المراد به الحرائر دون أن تكون مختصا بالعفائف، لأنه لو كان مختصا بالعفائف لما جاز العقد على من ليس كذلك، لان قوله: " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة " إلى قوله: " وحرم ذلك على المؤمنين " (1) منسوخ بالاجماع، وبقوله: " فانكحوا ما طاب " (2) وبقوله: " وانكحوا الأيامى " (3) ويمكن أن يخص بالعفائف على الأفضل دون الوجوب، وقوله: " فعليهن " معناه لازم لهن نصف ما يلزم المحصنات، دون أن يكون ذلك واجبا عليهن، وقوله: " وان تصبروا " في موضع رفع، والتقدير والصبر عن نكاح الأمة خير لكم. وفي الآية تقديم وتأخير، لان التقدير: " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم " أي فلينكح مما ملكت أيمانكم (من فتياتكم المؤمنات بعضكم من بعض والله أعلم بايمانكم) ذكره الطبري وهو جيد مليح.