يقول ألي توبة ووقع في رواية هشام فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة وزاد ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم وقال فيه ومن يحول بينه وبين التوبة (قوله فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا) زاد في رواية هشام فان بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه ملك الموت ووقعت لي تسمية القريتين المذكورتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا في المعجم الكبير للطبراني قال فيه ان اسم القرية الصالحة نصرة واسم القرية الأخرى كفرة (قوله فناء) بنون ومد أي بعد أو المعنى مال أو نهض مع تثاقل فعلى هذا فالمعنى فمال إلى الأرض التي طلبها هذا هو المعروف في هذا الحديث وحكى بعضهم فيه فنأى بغير مد قبل الهمز وباشباعها بوزن سعى تقول نأى ينأى نأيا أي بعد وعلى هذا فالمعنى فبعد على الأرض التي خرج منها ووقع في رواية هشام عن قتادة ما يشعر بان قوله فناء بصدره ادراج فإنه قال في آخر الحديث قال قتادة قال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت ناء بصدره (قوله فاختصمت فيه) في رواية هشام من الزيادة فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فأتاه ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو لها (قوله فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي) أي إلى القرية التي خرج منها (والى هذه أن تقربي) اي القرية التي قصدها وفي رواية هشام فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد (قوله أقرب بشبر فغفر له في رواية معاذ عن شعبة فجعل من أهلها وفي رواية هشام فقبضته ملائكة الرحمة وفي الحديث مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس ويحمل على أن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه وفيه ان المفتي قد يجيب بالخطا وغفل من زعم أنه انما قتل الأخير على سبيل التأول لكونه أفتاه بغير علم لان السياق يقتضي انه كان غير عالم بالحكم حتى استمر يستفتي وان الذي أفتاه استبعد ان تصح توبته بعد قتله لمن ذكر انه قتله بغير حق وانه انما قتله بناء على العمل بفتواه لان ذلك اقتضى عنده ان لا نجاة له فيئس من الرحمة ثم تداركه الله فندم على ما صنع فرجع يسأل وفيه إشارة إلى قلة فطنة الراهب لأنه كان من حقه التحرز ممن اجترأ على القتل حتى صار له عادة بان لا يواجهه بخلاف مراده وان يستعمل معه المعاريض مداراة عن نفسه هذا لو كان الحكم عنده صريحا في عدم قبول توبة القاتل فضلا عن أن الحكم لم يكن عنده الا مظنونا وفيه أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعا أو عاصيا وانهم يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم وفيه فضل التحول من الأرض التي يصيب الانسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك اما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها واما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه ولهذا قال له الأخير ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية والتحول منها كلها والاشتغال بغيرها وفيه فضل العالم على العابد لان الذي أفتاه أولا بان لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة قال عياض وفيه ان التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب وهو وإن كان شرعا لمن قبلنا وفي
(٣٧٤)