الذي تحصل لنا من تتبع الأحاديث والتأريخ أمور:
الأول: أن النجاشي الذي عاصر النبي (صلى الله عليه وآله) من أول البعثة إلى ارتحاله (صلى الله عليه وآله) إلى الملأ الأعلى رجلان: أحدهما: أصحمة بن أبجر الذي هاجر إليه المسلمون، وكان عالما دينا، لا يظلم عنده أحد، فأكرمهم، وقراهم، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه، ومات سنة ثلاث أو أربع أو تسع أو ثمان أو سبع على الخلاف، وثانيهما: هو الذي ملك الحبشة وكتب إليه النبي (صلى الله عليه وآله)، فخرق الكتاب وتجبر وكفر.
الثاني: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كتب إلى الأول كتابا يوصيه فيه بجعفر وأصحابه ويثني على عيسى بن مريم وأمه الطاهرة، ويدعوه إلى الإسلام، وظاهر النص أنه بعثه مع جعفر لمكان قوله: " بعثت إليكم ابن عمي جعفر ومعه نفر من المسلمين " و " فإذا جاؤوك فاقرهم ودع التجبر " لظهور الجملة الأولى في أنه كان في بدء البعثة والجملة الثانية صريحة في عدم وصول جعفر وأصحابه إلى النجاشي حال الكتابة (1).
وهنا احتمالان آخران وإن كان خلاف ظاهر الكتاب:
أحدهما: كون هذا الكتاب بعد غزوة بدر حينما أرسلت قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي في استرداد المسلمين وقتلهم بقتلى قريش في بدر كما احتمله في السيرة الحلبية وقدمنا ذكره.
ثانيهما: كونه بعد إرسال قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد لاسترداد المسلمين يحثه فيه على إكرامهم وحفظهم حينما كتب إليه سيد الأباطح أبو طالب رضوان الله عليه ما تقدم من الأبيات.
الثالث: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كتب إلى النجاشي الأصحم أيضا كتابا آخر يدعوه فيه