وتأسفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم فقالوا: ربنا أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن، وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم، ولا تغضب، ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك.
قال: فلما سمع ذلك من الملائكة قال: إني جاعل في الأرض خليفة يكون حجة في أرضي على خلقي، فقالت الملائكة: " سبحانك أتجعل فيها من يفسد فيها " كما أفسد بنو الجان، ويسفكون الدماء كما سفكت بنو الجان، ويتحاسدون، ويتباغضون، فاجعل ذلك الخليفة منا، فإنا لا نتحاسد، ولا نتباغض، ولا نسفك الدماء، ونسبح بحمدك ونقدس لك، فقال جل وعز: إني أعلم ما لا تعلمون، إني أريد أن أخلق خلقا بيدي، وأجعل من ذريته أنبياء، ومرسلين، وعبادا صالحين، وأئمة مهتدين، اجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي، وينذرونهم من عذابي، ويهدونهم إلي طاعتي، ويسلكون بهم سبيلي، واجعلهم حجة عليهم، وعذرا ونذرا، وأبين النسناس عن أرضي، وأطهرها منهم، وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي، وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض، فلا يجاورون نسل خلقي، واجعل بين الجن وبين خلقي حجابا، فلا يرى نسل خلقي الجن، ولا يجالسونهم، ولا يخالطونهم، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم أسكنهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي.
قال: فقالت الملائكة: يا ربنا افعل ما شئت، لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال: فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام قال: فلاذوا بالعرش، فأشاروا بالأصابع، فنظر الرب جل جلاله إليهم، ونزلت الرحمة، فوضع لهم البيت المعمور، فقال: طوفوا به ودعوا العرش، فإنه لي رضا، فطافوا به وهو