فوضعوا فينا السيوف، وكنت أنا المطلوب خاصة لما شاهدوه من تدبير القوم برأيي وعلموه من أنى رئيس القافلة فقطعوني بالسيوف ولحقتني هذه الجروحات وفى بدني أضعاف أضعافها. قال: وكشف لنا عن أكثر جسده فإذا به أمر عظيم لم ير مثله في بشر قط. قال: وكان في أجلى تأخير فرميت نفسي بين القتلى لا يشك في تلفي. قال: فلما كان بعد ساعة أفقت فوجدت في نفسي قوة والعطش بي شديد فلم أزل أتحايل حتى قمت أطلب من القافلة قدح ماء لأشرب منها فلم أجد أحدا، ورأيت من القتلى والمجروحين الذين هم في آخر رمق وسمعت من أنينهم ما أضعف نفسي وأيقنت بالتلف وقلت: غاية ما أعيش إلى أن تطلع الشمس، فملت أطلب شجرة أو محلا لأجعله ظلا لي من الشمس إذا طلعت فإذا بي قد عثرت بشئ عظيم لا أدرى ما هو من الظلمة، وإذا أنا منبطح عليه بطولي وطوله فثار من تحتي فحسست عليه وكنت قدرته رجلا من الاعراب فإذا هو أسد فحين علمت ذلك طار عقلي، وقلت: إن استرخيت افترسني فعانقت رقبته بيدي ونمت على ظهره وألقيت بطني بظهره وجعلت رجلاي تحت مخصاه وكانت دمائي تجرى فحين دخلني ذلك الفزع الشديد رقى دمى وعلق شعر الأسد بأفواه الجروحات فصار سدادا لها وعونا على أن أمسك نفسي فوقه، وورد على الأسد منى أظرف مما ورد على منه فأقبل يجرى كما تجرى الفرس على طريق وأنا أحس بروحي وأعضائي تتقصف من شدة جريه، فلم أشك في أنه يقصد أجمته فيلقيني إلى لبوته فتفترسني إلا أنى ضبطت نفسي، وأنا أؤمل الفرج وأدافع الموت، وكلماهم الأسد أن يربض ضربت مخصاه برجلي، فيطير وأنا أعجب من نفسي ومطيتي وأدعوا الله عز وجل وأرجوه، وما زلت على ذلك إلى أن ضربني نسيم السحر فقويت نفسي وأقبل الفجر يضئ، فتذكرت طلوع الشمس فجزعت ودعوت الله عز وجل فما كان أسرع من أن سمعت صوتا ضعيفا لا أدرى ما هو، ثم قوى فشبهته بناعورة. قال: والأسد يجرى وقوى الصوت فلم أشك في أنه ناعورة ثم صعد بي الأسد إلى تل فرأيت منه بياض ماء الفرات، وهو جار وناعورة تدور والأسد يمشى على شاطئ الفرات برفق إلى أن
(٢٩٣)