حتى قدمت بغداد فلم أقم فيها إلا ثلاثة أيام وانحدرت في زلال أريد البصرة، وجعل لي في الزلال خيش واستكثرت من الثلج لشدة الحر، فلما صرت بين جرجاى وحبل سمعت صوتا من الشاطئ يصيح يا ملاح؟ فرفعت سجف الزلال وإذا بشيخ كبير السن جالس حاسر الرأس حافي القدمين خلق القميص فقلت للغلام أجبه فأجابه. فقال يا غلام أنا شيخ كبير السن على هذه الصورة التي ترى وقد أحرقتني الشمس وكادت تتلفني وأريد حبل فاحملوني معكم فإن الله يحسن أجر صاحبكم. قال: فشتمه الملاح وانتهره فأدركتني رقة عليه وقلت خذوه معنا فتقدمنا الشط وصحنا به وحملناه فلما صار معنا في الزلال وانحدرنا نتقدم فدفعت إليه قميصا ومنديلا وغسل وجهه واستراح وكأنه كان ميتا، وعاد إلى الدنيا فحضر وقت الغذاء وتقدمت وقلت للغلام هاته يأكل معنا. فجاء وقعد على الطعام فأكل أكل أديب نظيف غير أن الجوع أثر فيه فلما رفعت المائدة أردت أن يقوم ويغسل يده ناحية كما تفعل العامة في مجالس الخاصة فلم يفعل. فغسلت يدي وتذممت أن أمر بقيامه فقلت قدموا له الطشت فغسل يده وأردت بعدها أن يقوم لأنام، فلم يفعل فقلت يا شيخ: أي شئ صناعتك؟ قال حائك أصلحك الله. فقلت في نفسي هذه الحياكة علمته سوء الأدب فتناومت عليه ومددت رجلي فقال: قد سألتني عن صناعتي وأنت أعزك الله ما صناعتك؟ فأكبرت ذلك وقلت أنا جنيت على نفسي هذه الجناية ولابد من احتمالها أتراه الأحمق لا يرى زلالي وغلماني ونعمتي وأن مثلي لا يقال له هذا. فقلت كاتب: فقال كاتب كامل أو كاتب ناقص؟
فإن الكتاب خمسة فأيهم أنت فورد على من قول الحائك موردا عظيما وسمعت كلاما أكبرته، وكنت متكئا فجلست ثم قلت: فصل الخمسة. قال:
نعم. كاتب خراج: يحتاج أن يكون عالما بالشروط، والطسوت، والحساب، والمساحة، والبثوق، والفنون، والرتوق. وكاتب أحكام:
يحتاج أن يكون عالما بالحلال، والحرام، والاحتجاج. والاجماع، والأصول، والفروع. وكاتب معونه: يحتاج إلى أن يكون عالما بالقصاص