سنة. قلت هذه الدار لمن؟ قال لابن داية أمير المؤمنين وهو الآن صاحب جهبذة وصاحب بيت ماله. فقلت بمن يعرف؟ قال بابن فلان الصيرفي فسماني. فقلت: هذه الدار من باعها عليه قال هذه دار أبيه. فقلت وهل يعيش أبوه؟ قال: لا. قلت أفتعرف عن حديثهم شيئا؟ قال: نعم. حدثت أن هذا الرجل كان صيرفيا جليلا وافتقر وأن أم هذا الفتى ضربها الطلق فخرج أبوه يطلب لها شيئا ففقد وهلك. فقال أبى: فجاءني رسول أم هذا الغلام تستغيث بي فقمت لها بحوائج الولادة. ودفعت لها عشرة دراهم فما أنفقتها حتى قيل قد ولد لأمير المؤمنين الرشيد مولود وقد عرض عليه جميع المراضع فلم يقبل ثديهن، وقد طلب له الحراير فجاؤه بغير واحدة فما أخذ ثدي واحدة منهن وهم في طلب مرضع فأرشدت الذي طلب الداية إلى أم هذا، فحملت إلى دار الرشيد وحين وضع فم الصبي على ثديها قبله فأرضعته. وكان الصبي هو المأمون وصارت عندهم في حالة جليلة، ووصل إليها منهم خير عظيم. ثم خرج المأمون إلى خراسان فخرجت هذه المرأة وابنها هذا معهم ولم يعرف أخبارهم إلا منذ قريب لما عاد المأمون وعادت حاشيته، وقد رأينا هذا قد جاء رجلا وأنا لم أكن رأيته قط. وقد كان أبى قد مات فقالوا: هذا ابن فلان الصيرفي وابن مرضعة الخليفة فبنى هذه الدار وسواها. فقلت له: أفعندك علم من أمه أهي حية أم ميتة؟ فقال: هي حية تمضى إلى دار الخليفة أياما وتكون عند ابنها أياما وهي الآن هنا. فحمدت الله على هذه الحالة وجئت حتى دخلت الدار مع الناس فرأيت الصحن في نهاية العمارة والحسن، وفيه مجالس كثيرة مفروشة بفرش ظاهرة، وفى صدره رجل شاب بين يديه كتاب وجهابذة وحساب يستوفيه عليهم، وفى ضفاف الدار ومجالسها جهابذة بين أيديهم الأموال والتخوت والشواهين، يقبضون ويقبضون، وبصرت بالفتى فرأيت شبهي فيه. فعلمت أنه ابني فجلست في غمار الناس إلى أن لم يبق في المجلس غيري فأقبل إلى فقال: يا شيخ هل من حاجة تقولها؟ قلت: نعم، ولكنها لا يجوز أن يسمعها غيرك. ثم أومأ إلى غلمان كانوا قياما حوله فانصرفوا فقال: قل أعزك الله. قلت أنا أبوك. فلما سمع ذلك تغير وجهه ولم يكلمني
(٢٤٦)