وأخذ غير الطريق الذي بلغه أن الكاتب سلكه وخلف كاتبه لرفع الحساب فلما شارف الناحية خرج إليه الكاتب المعزول ولقيه وسأله عن صاحبه.
فلما أعلمه بشخوصه إلى دار السلام أنكر ذلك فقال له: الكاتب المعزول مل بنا إلى موضع نجلس فيه نتحدث ونرى رأيك فمالا ونزلا وطرح لهما ما جلسا عليه فقال: أعزك الله لا تنكر انصراف صاحبي فإنه رجل كبير المقدار وأخاف من مهانة تلحقه فشخص إلى دار السلام، وقد خلف قبلي مائة ألف درهم فاقبض ذلك وأكتب لنا كتابا بإزاحة علته وانفصال ما بيننا وبينك، ونحن ننصب لك من يرفع الحساب رفع من لا يغيب ولا يستعصى عليه.
فقبل كاتب الوالي ذلك، وركبا وقد زال الخلاف بينهما إلى تقبيض تلك الأشياء النفيسة لنفسه ولصاحبه، وكتب الكاتب الرشيد بإزاحة علته، وانفصال ما بينهم وبينه، وخرج الكاتب لاحقا لصاحبه، وخلف من يسلم الحساب، فاتصل ظاهر الخبر بالهاشمي الوالي فكتب إلى كاتبه ينكر عليه فكتب إليه إني قد بلغت من الامر مبلغا مرضيا إذا وقفت عليه. فلما صار إلى الناحية عرفه ما جرى فحسن موقعه منه وتبرك به، وغلب على عقله فكسب مالا عظيما فلما مضت عليه ثلاث سنين صرف الهاشمي وخلفه الذي كان قبله واليا، وبلغ الهاشمي الخبر. فقال لكاتبه ما الرأي؟ فقال: نفعل به مثل ما فعل بنا، وأقيم أنا ومعي مثل ما كان أعطانا فأعطيه إياه، وآخذ كتابه بانفصال ما بيننا وبينه والحق بك. ففعل ووافى الكاتب الذي كان مصروفا فتلقاه الكاتب في الموضع الذي كانا التقيا فيه في مبدأ الامر فعدلا ونزلا وعرض عليه ما خلفه صاحبه له وسأله قبول ذلك، والكتابة بمثل ما كان كتب له إلى الرشيد. فامتنع من قبول ذلك، وكتب له بانفصال ما بينهما إلى الرشيد كتابا وكيدا وقال: أراك رجلا فاضلا فطنا، وأرى صاحبك عاقلا، وقبول هذا لا يكون مكافأة له بل يكون كأنه بيع له وشراء منه.
ولكن قد تذكرت أمرا أجمع لنا ولكم من هذا. قال ما هو؟ قال اعقد بيننا وبين صاحبك صهرا ونكون إخوة وأصدقاء. قال: فعل الله بك وصنع فما في الدنيا أكرم ولاية منك. فعقد بينهما الصهرين وسارا إلى مقصدهما