آخر الدهر فلا أعتاض عنها إلا كمدا حتى يضيق على الضريح. فقلت بصوت إضاءة: كرم أمير المؤمنين وبهاء مجده مدبران لمن نظر إليه من آذية النفس يسألني أيده الله فأجيبه أم ابتدى فأصيب. فتبسم إلى جعفر وقال ما أحسن من استدعى الاحسان وأحرى به أن يكون محسنا ثم قال لي أشاعر أنت أم راوية للشعر؟ قلت: راوية قال لمن قلت لكل أمر ذي جد وهزل بيد أن يكون محسنا قال (أنصف الفارة من رماها) ما معنى هذه الكلمة؟
قلت لها وجهان: زعمت التبابعة أنه كان لها رماة لا يقع سهامها في غير الحدق فكانت تكون في الموكب الذي فيه الملك على الجياد البلق فخرج فارس معلم بعذبات سمور وقلنسوة فنادى أين رماة الحدق؟ فقالت العرب انصف الفارة من رماها. والوجه الآخر: المرتفع من الجبل الشاهق فمن ضاهاه بفعاله فقد رماه وما أحسب هذا هو المعنى لان المرماة كالمعطاة، فكما أن المعطاة للنديم هو أن يأخذ كأسا كذلك المراماة ترميها وترميه قال أصبت أرويت للحجاج شيئا؟ قلت الأكثر قال أنشدني قوله (ارقني طارق هم طارق) فمضيت فيها مضى الجواد تهدر أشداقي. فلا بلغت مدحه لبنى أمية ثنيت عنان اللسان لا مداحة للمنصور. قال: أعن عمد أو غير عمد؟ فقلت بل عن عمد قال تركت كذبه إلى صدقه بما أصف المنصور من مجده. قال جعفر: بارك الله عليك مثلك يؤهل لمثل هذا الموقف. ثم التفت إلى الرشيد وقال: أرويت لعدى ابن الرفاع؟ قلت الأكثر قال أنشدني قوله * بانت سعاد فأخلفت ميعادها * فابتدرت بها تهدر أشداقي. فقال لي جعفر: يا هذا أنشد على مهل لن تنصرف إلا غانما. فقال الرشيد: هل قطعت على لتشركي في الجائزة؟ قال:
فطابت نفسي وقلت أفلا ألبس أردية البتة على العرب وأنا أرى الخليفة والوزير يتشاطران المواهب لي فتبسم ومضيت فيها. ثم قال: أرويت لذي الرمة شيئا؟ قلت: الكثير قال أنشدني قوله * أمن حذر الهجران قلبك يطمح * فقلت هي عروس شعره. قال فأية لجهة قلت قوله: (ما بال عينك منها الماء ينسكب)؟
قال: امض فيها فمضيت حتى انتهيت إلى وصفة جميلة. قال جعفر: تغنى علينا ما تسع من مسامرة الشين بجمل أجرب. فقال الرشيد: اسكت فهي التي سلبتك تاج