يا هذا هو ذا أموت فاحتل ما تبتاع به عسلا ودقيقا وشيرجا وإلا مت. فبكيت وحزنت وخرجت على وجهي وجئت لأغرق في الدجلة، فذكرت حلاوة الروح والنفس وخوف العقاب في الآخرة، ثم خرجت على وجهي إلى النهروان، وما زلت أمشى من قرية إلى قرية حتى بلغت خراسان فصادفت من عرفني، فتصرفت في صناعتي ورزقني الله جلت عظمته، فأثريت واتسعت حالي وكتبت ستة وستين كتابا لأعرف خبر منزلي فلم يعد إلى الجواب فلم أشك أن الجارية قد ماتت فقطعت المكاتبة فتراخت السنون حتى حصل معي ما قيمته عشرون ألف دينار. فقلت: قد صارت لي نعمة فلو رجعت إلى وطنى، فابتعت بالمال كله متاعا من خراسان وأقبلت أريد العراق من طريق فارس والأهواز فلما حصلت بينهما خرج على القافلة اللصوص فأخذوا جميع ما فيها ونجوت بثيابي وعدت فقيرا كما خرجت من بغداد. فدخلت الأهواز وبقيت فيها متحيرا حتى كشفت خبري لبعض أهلها ممن لا أعرفه فأعطاني ما تحملت به إلى واسط، ونفدت نفقتي فمشيت إلى هذا الموضع وقد كدت أتلف فاستغثت بك، ولى منذ فارقت بغداد ثمانية وعشرون سنة. فعجبت من محنته ورفقت به وقلت له: إذا صرنا إلى بغداد وعرفت خبر أهلك فصر إلى فإني آمر بتصريفك فيما يصلح لمثلك مما تعيش. فشكر ودعا لي، ودخلت بغداد ومضت على ذلك مدة نسيته فيها. فبينما أنا يوما قد ركبت أريد دار المأمون، فإذا بالشيخ على بابى راكبا بغلا فارها بمركب محلى ثقيل وغلامين أسودين بين يديه كأنهما مماليكه، وثياب حسنة فلما رأيته رحبت به وقلت له ما الخبر؟ فقال: طويل. فقلت عد إلى فلما كان من الغد جاءني فقلت له.
عرفني خبرك، فقد سررت بحسن ظاهر حالك، فقال: إني لما صعدت من زلالك قصدت داري فوجدت حائطها الذي يلي الطريق كما خلفت غير أن باب الدهليز مجلو نظيف وعليه دكتان وبغال مع شاكرية. فقلت: إنا لله ماتت جاريتي ويملك الدار بعض الجيران فباعها لرجل من أصحاب السلطان فقدمت على رجل بقال كنت أعرفه في المحلة فإذا في دكانه غلام حدث فقلت من تكون من فلان البقال؟ فقال: ابنه. فقلت: ومتى مات أبوك؟ قال منذ عشرين