وقالوا غدا أو بعد غد ذاك بليلة * فراق حبيب لم يبن وهو بائن وما كنت أخشى أن تكون منيتي * بكفى إلا أن من خان خائن قال أبو الفرج من هذه الأبيات غناء ولها أخبار قد ذكرت في أخبار المجنون يعنى قيس بن الملوح مجنون بنى عامر ثم ذكر أبو الفرج بعد هذا عدة قطع من شعر قيس بن دريج. ثم قالوا فلما أرتحل بها قومها اتبعها مليا ثم علم أن أباها سيمنعه من المسير معها فوقف ينظر إليها ويبكى حتى غابوا عن عينه فكر راجعا ونظر إلى خف بعيرها فأكب عليه يقبله ورجع يقبل موضع مجلسها وأثر قدميها فليم على ذلك وعنفه قومه في تقبيل التراب فقال:
وما أحببت أرضكم ولكن * أقبل أثر من وطئ الترابا لقد لاقيت من كلفي بلبني * بلاء ما أسيغ له شرابا ثم ذكر أبو الفرج قطعة من شعر قيس وأخبارا من أخباره في لبنى مشهورة بأسانيد مفردة عن الاسناد الذي رأيته عنه هاهنا ثم رجع إلى موضع من الحديث الذي جمع فيه أسانيده وأتى بسباقة تطول عن أن أذكرها في كتابي هذا جملتها عظيم ما لحق قيسا من التململ والسهو والكمد والأسف والبكاء العظيم والجزع المفرط والصاق خده بالأرض على أثارها وخروجه في أثرها يشم روائحها وعتابة نفسه في طاعة أبيه على طلاقها وعلة اعتلها أشرف منها على الموت وجمع أبيه له فتيات الحي يعللنه ويحدثنه طمعا في أن يسلوا عن لبنى ويعلق واحدة منهن فيزوجها منه وقصة له مع طبيب حضره وقطع شعره كثيرة له في خلال ذلك وذكر في جملة أخبار كثيرة بأسانيد متفرقة وبالاسناد الذي ذكره أن أبا لبنى شكا قيسا إلى معاوية بن أبي سفيان وذكر تعرضه لها بعد الطلاق فكتب إلى مروان بن الحكم يهدر دمه ان تعرض لها فكتب مروان بذلك إلى صاحب الماء وأن أباها زوجها فبلغ ذلك قيسا فاشتد جزعه وجعل يتشنج أحر تشنج ويبكى أشد بكاء وأتى محلة قومها فنزل. عن راحلته وجعل يبكى في موضعها ويمرغ خده على ترابها ويبكى أحر بكاء ثم قال قصيدة أتى بها أبو الفرج وبأخبارها أولها.
إلى الله أشكو فقد لبنى كما شكا * إلى الله فقد الوالدين يتيم