فأقبلت هي على صواحبها فقالت: أحسن والله القائل، وأحسن من أجابه حيث يقول:
بنا مثل ما تشكوا فصبرا لعلنا * نرى فرجا يشفى السقام قريبا فأمسكت عن الجواب خوفا من أن يظهر منى ما يفضحني وإياها، وعرفت ما أرادت ثم تفرق الناس وانصرفنا، وتبعتها ظئري حتى عرفت منزلها، وصارت إلى فأخذت بيدي ومضينا إليها فم تزل تتلطف حتى وصلنا إليها فتلاقينا وتزاورنا على حال مخالسة ومراقبة، وشاع حديثي وحديثها، حتى ظهر ما بيني وبينها فحجبها أهلها، وتشدد عليها أبوها. فلم أقدر عليها فشكوت إلى أبى ما نالني وشدة ما ألقى وسألته خطبتها لي فمضى أبى ومشيخة أهلي إلى أبيها وخطبوها، فقال: لو كان بدأ بهذا قبل أن يشهرها لأسعفته بحاجته وبما التمس، ولكنه قد فضحها فلم أكن لأحقق قول الناس بتزويجها إياه.
فانصرفنا على يأس منها ومن نفسي، قال معبد: فسألته أين تنزل؟ فخبرني.
فصارت بيننا عشرة، ثم جلس جعفر بن يحيى يوما للشرب فأتيته فكان أول بيت غنيته به شعر الفتى وصوتي الذي صنعته فيه فطرب منه طربا شديدا وقال: ويحك لمن هذا؟ فقلت: إن للصوت حديثا. فقال: ما هو؟
فحدثته فأمر بإحضار الفتى فأحضر من وقته، واستعاده الحديث فأعاده عليه فقال: هي في ذمتي حتى أزوجكها. فطابت نفسي ونفس الفتى فأقمنا ليلتنا حتى أصبح، وغدا جعفر إلى الرشيد فحدثه الحديث فعجب منه وأمر بإحضارنا جميعا وأمر بأن أغنيه الصوت فغنيته فشرب عليه وسمع حديث الفتى وأمر من وقته بالكتاب إلى عامل الحجاز باشخاص الرجل وابنته وسائر أهله إلى حضرته فلم يمض إلا مسافة الطريق حتى حضروا فأمر الرشيد بإيصاله إليه فأوصله وخطب إليه الجارية للفتى فأجابه وزوجه إياها، وحمل الرشيد إليه ألف دينار لمهرها وألف دينار لجهازها وألف دينار لنفقة الطريق وأمر للفتى بألفي (1) دينار وكان المدني بعد ذلك في جملة ندماء جعفر.