صنعتها قد تعلم الغناء والضرب والحذق فيهما فشاور بعض معارفه فقال.
ما أعرف لك أصلح من أن تغني الناس وتحمل جاريتك إليهم وتأخذ على هذا الكثير من الأموال ويطيب عيشك فانف من ذلك وعاد إليها فأخبرها بما أشير عليه وأعملها أن الموت أسهل عنده من ذلك فصبرت معه مدة على الشدة ثم قالت: له قد رأيت لك رأيا. قال: قولي. قالت: تبيعني فإنه يحصل لك من ثمني ما أردت أن تتجر به أو تقتنى ضيعة وتعيش عيشة صالحة وتتخلص من هذه الشدة وأحصل أنا في نعمة لان مثلي لا يشتريها إلا ذو نعمة. فحملها إلى سوق النخاسين فأول من اعترضها فتى هاشمي من أهل البصرة قد ورد بغداد للعب والتمتع فاشتراها بألف وخمسمائة دينار عينا. قال الرجل: فحين لفظت بالبيع وأعطيت المال ندمت واندفعت في بكاء عظيم وحملت الجارية في أقبح من صورتي وجهدت في الإقالة فم يكن إلى ذلك سبيل وأخذت الدنانير في الكيس لا أدرى إلى أين أذهب لان بيتي موحش منها وورد على من اللطم والبكاء ما قد أموسني فدخلت مسجدا وجلست أبكى فحملتني عيني وتركت الكيس تحت رأسي كالمخدة ونمت فما شعرت إلا بإنسان قد جذبه من تحت رأسي فانتبهت فزعا فإذا شاب قد أخذ الكيس وهو يعدوا فقمت لاعدوا وراءه فإذا رجلي مشدودة بحبل قنب في وتد مضروب في أرض المسجد فما أمكنني أن أتخلص من ذلك حتى غاب الرجل عن عيني فبكيت ولطمت ونالني أمر عظيم أشد من الأول وقلت فارقت من أحب لاستغنى بثمنه عن الصدقة وقد صرت الآن فقيرا مفارقا فجئت إلى دجلة ولففت رأسي ووجهي برداء كان على ولم أكن أحسن السباحة فرميت بنفسي إلى الماء فظن الحاضرون أن ذلك لغلظ وقع على فطرح قوم نفوسهم خلفي فأخرجوني وسألوني عن أمرى فأخبرتهم فبعضهم رحمني والبعض استجهلني إلى أن خلا بي شيخ فأخذ يعظني ويقول يا هذا: ذهب مالك فكان ماذا حتى تتلف نفسك أو ما علمت أن فاعل هذا في نار جهنم ولست أول من افتقر بعد غنى واستغنى بعد فقر فلا تفعل وثق بالله عز وجل. أين منزلك قم معي إليه فما فارقني حتى حملني إلى منزلي فأدخلني إليه وما زال يؤانسني فيه ويعظني إلى أن رأى من السلوان