شديدة ولحقه من القلق والهيام والجنون والأسف على فراقها ما منعه من النوم، ولحقه من البكاء والسهر ما كاد يخرج نفسه فلما أصبح خرج إلى دكانه ليتشاغل بالنظر في أمره فلم يكن إلى ذلك سبيل وزاد عليه القلق والشوق فأخذ ثمن الجارية وجاء إلى دار أبى بكر بن أبي حامد ودخل ومجلسه حافل فسلم وجلس في أخريات الناس إلى أن انفضوا فلما لم يبق منهم غير أبى بكر ابن أبي حامد. قال له: إن كانت لك حاجة فاذكرها؟ فحصر وجرت دموعه وشهق فرفق به ابن أبي حامد وقال له: قل عافاك الله ولا تستحى. قال: بعت أمس جارية كانت لي أحبها واشتريت لك أطال الله بقاك وقد أحسست بالموت أسفا عل فراقها وأخرج الثمن ووضعه بحضرته وقال: أنا أسألك أن ترد على حياتي بأخذ هذه الدنانير وإقالتي البيع. قال فتبسم له ابن أبي حامد وقال:
فلما كانت بهذا المحل من قلبك فلم بعتها؟ قال أنا رجل صيرفي وكان رأس مالي ألف دينار فلما اشتريتها تشاغلت بها عن لزوم الدكان فبطل كسبي وكنت أنفق عليها من رأس مالي نفقة لا يحتملها مالي فلما مضت مدة خشيت الفقر ونظرت فإذا لم يبق معي من رأس مالي إلا ثلثه أو أقل وصارت تطالبني من النفقة بما أن أطعتها فيه حتى ذهبت هذه البقية فلما منعتها ساءت أخلاقها على، وتنغصت عيشتي فقلت أبيعها وأرد ثمنها فيما اختل من دكاني، ويستقيم عيشي وأستريح من أذاها وأتصبر على فراقها وينضبط أمرى بسقوط النفقة على وتوفري على التجارة ولم أعلم أنه يلحقني هذا الامر العظيم وقد آثرت الفقر الآن بأن تحصل لي الجارية فان الموت أسهل مما أنا فيه. فقال ابن أبي حامد يا فلان: فجاء خادم أسود فقال أخرج الجارية التي اشتريت لنا أمس.
قال: فأخرجت الجارية. قال: يا بنى إن مثلي لا يطأ قبل الاستبراء والله ما وقعت عيني عليها منذ اشتريت إلى الآن وقد وهبتها لك فخذها وخذ دنانيرك بارك لك فيها ورد الدنانير إلى دكانك. ثم قال للخادم هات ألف درهم فجاء بها. فقال للجارية: قد كنت عملت على أن أكسوك فجاء من أمر مولاك ما رأيت، وليس من المروءة منعه منك فخذي هذا الدراهم واتسعي بها على