وجهزاها كما يجهز أهل البيوتات بناتهن وجليت على وعمل العرس الحسن فنعمت معها دهرا فمات أبى فلم أحسن أن أرب نعمته فأسأت تدبيرها وأسرعت في الأكل والشرب والقيان وأنا مع ذلك أجدد في كل يوم خمسين دينار وأكثر ولا أتجاوزها في جماع أو حب إلى أن تلفت النعمة وأفضت الحال إلى نقض الدار والفقر إلى ما ترون فأنا على هذا منذ سنين فلما كان هذا الوقت بلغني دخول الخليفة ووزيره وأكثر مملكته بالبصرة فقلت لها يا أختي: إن شبابك يبلى وعمرك في الدنيا ينقضى ووالله ما في نفسي رغبة في بيعك فإني أعلم أنى تالف متى فارقتك ولكني أوثر تلفها مع وصولك إلى نعمة ورفاهية فدعيني أعرضك فلعله يشتريك بعض هؤلاء الكتاب فتحصلي معه في رغد من العيش فإن مت بعدك فتلك أمنيتي ويكون كل واحد منا قد تخلص من الشقاء وإن حكم الله عز وجل على بالبقاء صبرت لفضل الله واضطربت في معاشي بثمنك فبكت من ذلك وقلقت ثم قالت افعل فخرجت إلى هذا النخاس وأطلعته على أمرى وقد كان يسمع غناها في أيام نعمتي وعرف حالها وحالي وعلمته أنى لا أعرضها أبدا إلا عندي فإنها والله ما تسلقت عتبة هذه الدار قط وأردت بذلك أن يراها المشترى وحده ولا تمتهن بسوق ولا دخول إلى بيوت الناس وانه لم يكن لها ما تلبسه إلا قميصي هذا وهو مشترك بيننا ألبسه إذا خرجت لابتياع القوت وتتشح هي بإزارها فإذا جئت إلى البيت ألبستها إياه واتشحت أنا بالإزار فلا جئتما لعرضها خرجت فغنتكم فلحقني من البكاء والقلق أمر عظيم ودخلت إلى وقالت لي: يا هذا ما أعجب أمرك أنت مللتني وآثرت فراقي وتبكى هذا البكاء على فقلت: يا هذه والله لفراق نفسي أسهل على من فراقك وإنما أردت أن تتلخصي من هذا الشقاء فقالت: والله يا مولاي لو تملكت منك ما تملكته منى ما بعتك أبدا وأموت جوعا فيكون الموت هو الذي يفرق بيننا فقلت لا عليك تريدين أن تعلمي صدق قولي قالت نعم قلت هل لك أن أخرج الساعة إلى المشترى فأعتقك بين يديه وأتزوجك ثم أصير معك على ما نحن عليه إلى أن يأتي الله بفرج أو صنع أو موت وراحة فقالت إن كنت صادقا فافعل هذا فما أريد غيرك فخرجت إليكم وكان منى ما قد علمتم
(٣٩٥)