فاعذروني فقال جعفر: أنت معذور ونهض فنهضت والنخاس فلما قدمت الحمير لنركب دنوت منه فقلت: يا سبحان الله مثلك في جودك ترى هذه الكرامة ولا تنتهز الفرصة فيها والله لقد تقطع قلبي على الفتى فقال: ويحك وقلبي والله. ولكن غيظي من فوت الجارية منعني من التكرم عليه فقلت:
فأين الرغبة في الثواب فقال: صدقت والله، ثم التفت إلى النخاس فقال له:
كم كان الخادم سلم إليك عند ركوبنا لثمنها قال: ثلاثة آلاف دينار قال: فأين هي؟ قال: مع غلامي فقال لي وللنخاس خذاها وادفعاها إلى الفتى وقولا له يكتسى ويركب ويجيئني لأحسن إليه وأستخدمه فرجعت إلى الفتى وأنا أبكى فقلت له قد عجل الله عز وجل عليك بالفرج ان الذي خرج من عندك هو الوزير الأمير جعفر بن يحيى البرمكي وقد أمر لك بهذا وهو يقول لك كذا وكذا قال: فصعق حتى قلت قد تلف ثم أفاق فأقبل يدعو ويشكرني فركبت فلحقت بجعفر فأخبرته فحمد الله عز وجل على ما وفقه له وعاد إلى داره وأنا معه فلما كان العشاء جئنا إلى الرشيد فأخذ يسأل جعفر عن حاله في يومه وهو يخبره بالأمور السلطانية ثم فاوضه فيما سوى ذلك إلى أن قص عليه حديث الفتى والجارية فقال له الرشيد: فما عملت فأخبره فاستصاب رأيه وقال: وقع له برزق سلطاني في رسم أرباب النعم في كل شهر كذا وكذا واعمل بعد ذلك ما شئت فلما كان من الغد جاءني الفتى راكبا بثياب حسنة وهيئة جميلة وإذا هو أحلى الناس كلاما وأتمهم أدبا فحملته معي إلى جعفر وأوصلته إلى مجلسه فأمر بتسهيل وصوله إليه وخلطه بحاشيته ووقع له عن الخليفة بما كان رسمه له وعن نفسه بشئ آخر وشاع حديثه بالبصرة وفى أهل العسكر فلم يبق فيهما متغزلا ولا متظرف إلا أهدى إليه شيئا جليلا فما خرجنا من البصرة إلا وهو رب نعمة صالحة ووجدت هذا الخبر بخلاف هذا على ما ذكره أبى علي بن محمد بن الحسن بن جهور العجمي البصري الكاتب في كتابه " كتاب السمار والندماء ". فزعم أن الرشيد لما حج كان معه إبراهيم الموصلي واقتص الخبر على قريب مما ذكرناه وأن الجارية بدأت فغنت بصوت من صنعة إبراهيم وهو.