فاخرجوا الصواني ففرقها عليهم فيها النبيذ وما زالوا يرفقون بالجارية إلى أن استدعت بالعود فأصلحته واندفعت تغنى من الثقيل الأول بإطلاق الوتر الذي في مجرى الوسطى.
بان الخليط بمن عرفت فادلجوا * عمدا لقتلك ثم لم يتحرجوا وغدت كأن على ترائب نحوها * جمر الغضا في ساعة يتأجج ثم غلبها البكاء فقطعت الغناء وتنغص على القوم سرورهم ووقعت أنا مغشيا على فظن الملاحون أنى قد صرعت فأذن بعضهم في أذني فأفقت بعد ساعة وما زالوا يدارونها ويرفقون بها ويسألونها الغناء إلى أن أصلحت العود واندفعت تغنى في الثقيل الثاني.
فوقفت أسئل بالذين تحملوا * وكأن قلبي بالشفار يقطع فدخلت دارهم أسائل عنهم * والدار خالية المنازل بلقع ثم شهقت فكادت تتلف وارتفع لها بكاء عظيم وصعقت أنا فتبرم بي الملاحون وقالوا: كيف حملنا هذا المجنون؟ وقال بعضهم: إذا بلغتم بعض هذه القرى فأخرجوه وأريحونا منه فجاءني أمر عظيم من كل ما أصابني وجاءني في نفسي التصبر والحيلة في أن أعلم الجارية بمكاني بالزلال لتمنع من إخراجي فأفقت وبلغنا إلى قرب المداين فقال صاحب الزلال إصعدوا بنا إلى الشط فطرحوا إلى الشط وصعدت الجماعة وكان المساء قريبا وصعد أكثر الملاحين يتغطون وخلا الحريري وكان الجواري فيمن صعد إلى مستراح ضرب لهن فمشيت سارقا نفسي حتى صرت خلف الستارة فغيرت طريقة العود عما كانت عليه إلى طريقة أخرى ورجعت إلى موضعي من الزلال وفرغ القوم من حاجتهم في الشط ورجعوا والقمر منبسط فقالوا لها هو ذا ترين وقتنا فتكلفي الغناء ولا تنغصي علينا فأخذت العود فجسته وشهقت وقالت: قد والله أصلح هذا العود مولاي على طريقة من الضرب كان بها معجبا وكان يضربها معي ووالله أنه معنا في الزلال. فقال لها مولاها: والله يا هذه لو كان معنا ما امتنعنا من عشرته فلعله أن يخف بعض ما بك فننتفع بغنائك ولكن هذه بعيد فقالت:
لا أدرى ما تقولون هو والله معنا. فقال الرجل للملاحين: ويلكم هل حملتم