خانا وبقيت متحيرا لا أدرى ما أعمل ولم يتوجه لي معاش إلى أن اجتاز بي يوما إنسان عرفته من بغداد فتبعته لأكشف له حالي وأستميحه فأنفت من ذلك ودخل الرجل إلى منزله فعرفته وجئت إلى بقال كان هناك على باب الخان الذي نزلته فأعطيته دانقا وأخذت منه ورقة ودواة وجلست أكتب رقعة إلى الرجل فاستحسن البقال خطى ورأي رثاثة ذلي فسألني عن أمرى فأخبرته أنني رجل ممتحن فقير وقد تعذر على التصرف وما بقي مع شئ ولم أشرح له أكثر من ذلك فقال أتعمل معي في كل يوم على نصف درهم وطعامك وكسوتك وتضبط حساب دكاني قلت: نعم قال: أصعد فخرقت الرقعة وصعدت فجلست معه ودبرت أمره وضبطت دخله وخرجه وان غلمانه يسرقونه فأديت إليه الأمانة فلما كان بعد شهر رأى الرجل دخله زائدا وخرجه ناقصا فحمدني فكنت معه كذلك شهورا ثم جعل رزقي في كل يوم درهما ولم يزل حالي يقوى معه إلى أن حال عليه الحول وبان له الصلاح في أمره فدعاني إلى أن أتزوج ابنته ويشاركني في الدكان ففعلت ودخلت بزوجتي فلزمت الدكان والحال يقوى إلا أنني في خلان ذلك منكسر القلب ميت النشاط ظاهر الحزن وكان البقال ربما شرب فيجتذبني إلى مساعدته فامتنع وأظهر أن ذلك حزنا على موتى لي واستمرت بي الحال على هذا سنين فلما كان يوما رأيت قوما يجتازون بخون ونبيذا اجتياز متصلا فسألت على ذلك فقالوا اليوم يوم الشعانين ويخرج أهل الظرف واللعب بالشراب والطعام والقيان إلى الأبلة فيرون النصارى ويشربون ويتفرجون فدعتني نفسي إلى التفرج وقلت لعلى أقف لأصحابي على خبر لان هذا من مظانهم فقلت أريد أن أنظر هذا المنظر فقال لي شأنك فأصلح لي طعاما وشرابا وسلم إلى غلاما وسفينة فخرجت وأكلت في السفينة وبدأت أشرب حتى وصلت إلى الأبلة وأبصرت الناس وابتدأوا ينصرفون فانصرفت فإذا بالزلال بعينه لقيته في أوساط الناس سائرا في نهر الأبلة فتأملته فإذا بأصحابي على سطحه ومعهم عدة مغنيات فحين رأيتهم لم أتمالك فرحا وطرحت إليهم فلما رأوني وعرفوني كبروا وأخذوني إليهم وقالوا:
ويحك أنت حي وعانقوني وفرحوا وسألوني عن قصتي وأخبرتهم بها على أتم