فانصرف فكدت أقتل نفسي لوحشة منزلي على ثم ذكرت النار فخرجت ولحقت به فبكى لي رقة وأعطاني خمسين درهما وقال: خذ هذه واخرج الساعة من بغداد واجعلها نفقة لك إلى حيث وجدت قلبك يساعدك على قصده وأنت من أولاد الكتاب وخطك صالح وأدبك جيد فاقصد بعض العمال واطرح نفسك عليه فأقل ما في الامر أن تصير محررا بين يديه وتعيش معه ولعل الله أن يخلف عليك فقبلت نصيحته وعملت على ذلك وجئت إلى الكتبيين وقد قوى في نفسي أن أقصد واسطا وكان لي بها أقارب فأجعلهم ذريعة إلى التصرف مع عاملها فحين جئت إلى الكتبيين إذا بزلال مقدم وجراية كثيرة وقماش فاخر كثير ينقل إلى الزلال فسألت من يحملني إلى واسط؟ فقال أحد ملاحي الزلال: نحن نحملك إلى واسط بدرهمين ولكن هذا الزلال لرجل هاشمي من أهل البصرة ولا يمكنا حملك معه على هذه الصورة ولكن تلبس ثياب الملاحين وتجلس معنا كأنك واحد منا فحين رأيت الزلال وسمعت أنه لرجل هاشمي من أهل البصرة طمعت أن يكون هو مشترى جاريتي فانفرج لسماعها لحد واسط فدفعت الدرهمين إلى الملاح وعدت فاشتريت جبة من جباب الملاحين وبعت تلك الثياب التي على وأضفت ثمنها إلى ما معي من النفقة واشتريت خبزا وأدما وجلست في الزلال فما كان إلا ساعة حتى رأيت جاريتي بعينها ومعها جاريتان تخدمانها فسهل على ما كان بي وما أنا فيه وقلت أراها وأسمع من غناءها من ههنا لحد البصرة واعتقدت أن جعلت البصرة مقصدي وطمعت في أن أداخل مولاها وأصير أحد ندمائه وقلت لا تخليني هي من المودة فإني واثق بها ولم يكن بأسرع من أن جاء الفتى الشئ اشتراها راكبا ومعه عدة من الغلمان ركبان وركبوا في الزلال وانحدر بهم فلما وصلوا إلى كلو إذ أخرج الطعام فأكل وأكل الباقون على سطح الزلال وأطعموا الملاحين ثم أقبل على الجارية فقال: إلى كم هذه المدافعة عن الغناء ولزوم الحزن والبكاء ما أنت أول من فارق مولى كان له فعلمت ما عندها من أمرى ثم ضرب ستارة في جانب الزلال واستدعى الذين في سطحه وجلس معهم خارج الستارة فسألت عنهم فإذا هم أخوته وبنو عمه
(٣٨٨)