وضجر، فاستكثر الكتب وفض واحدا وقرأه وأقبل على شغله من غير أن يقرأ باقي الكتب وضجر، وتغيظ وقال أليس كلها في معنى واحد؟. قد والله بلينا بكم معاشر المتعطلين، كل يوم يصير إلينا منكم واحد يريد تصرفا أو برا، ولو كانت خزائن الأرض لي لكانت قد نفدت. يا هذا: مالك عندي شئ ولا تصرف، ولا لي عمل شاغر فأوده إليك، ولا في مالي فضل لبرك فدبر أمرك بمعرفتك. كل هذا والرجل ساكت إلى أن أمسك ابن أبي الفضل، فلما سكن قال الرجل: أحسن الله جزاءك، وتولى مكافأتك الحسنى، وفعل بك وصنع. قال وأسرف الرجل في شكره، والدعاء له. ثم ولى منصرفا.
فقال ابن أبي الفضل: ردوه. فرد. فقال يا هذا: أتسخر بي على أي شئ تشكرني على إئاسك من التصرف، أو قطع رجائك في الصلة وضجري لك، أو تريد خداعي بهذا الفعل؟ فقال: ما أريد خداعك وما كان من قبيح الرد غير منكر لأنك حاكم، ويلحقك ضجر، ولعل الامر كما ذكرته من كثرة الواردين عليك، وقد تعبت بهم، ولم أشكرك إلا في موضع الشكر، لأنك صدقتني عما لي عندك في أول مجلس، فأعتقت عنقي من ذل الطمع، وأرحتني من التعب بالغدو والرواح إليك، وكشفت لي ما أدبر أمري به، وكسوتي لم تخلق، وبقية نفقتي معي، ولعلهما يحملاني إلى بلد آخر ووجه سواك.
قال: فأطرق الأمير. ومضى الرجل. فرفع رأسه. وقال: ردوه، فلحقوه فردوه فاعتذر إليه، وأمر له بصلة وقال: تأخذها إلى أن أقلدك عملا يصلح لك، فإني أرى فيك مصطنعا. فلما كان بعد أيام قلده عملا جليلا، وصلحت حال الرجل معه قال أبو الفرج المعروف الأصبهاني، قال: حدثني جحظة وهو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك، قال:
أحلت بي إضاقة أنفقت فيها جميع ما أملك حتى بقيت وليس في بيتي غير البواري، فأصبحت يوما وأنا أفلس من طنبور بلا وتر، كما قال