ولم أكتب بالخبر في ذلك إلى الفضل لئلا يتوهم بذلك استدعاء العوض.
فكتب بذلك صاحب سر كان علينا فوقع على ظهر كتابه قد علمت أنك إنما أمسكت عن الكتاب بما فعله دينار ونعيم لئلا يتوهم عليك الاستدعاء للصلاة، وقد رأيت أن تقبض لنفسك عوضا من ذلك مائتي ألف درهم.
قال الريان: فلم تمض سبعة وعشرون يوما حتى حصلت عندي سبعمائة ألف درهم.
وذكر محمد بن عبدوس في كتابه عن جبريل بن بختشيوع الطبيب في خبر طويل أنه سمع المأمون يقول: كان لي في خراسان يوما عجيبا وأولاني الله فيه بإحسانه الجميل، وذلك لما توجه طاهر بن الحسين لحرب علي بن عيسى بن ما كما قد عرفتموه من ضعف طاهر وقوة على وقع في نفوس عسكري جميعا ان طاهر ذاهب، ولحق أصحابي إضاقة شديدة وظهرت فيهم خلة، ونفذ ما كان معي ولم يبق منه قليل ولا كثير وأفضيت إلى حال كان أصلح ما فيها الهرب، فلم أدر إلى أين أهرب ولا كيف أجد، فبقيت حائرا متفكرا وأنا والله كذلك نازلا في دار أبوابها حديد، ولى متشرفات أجلس فيها إذا شئت، وعدة غلماني ستة عشر غلاما لا أملك غيرهم إذا بالقواد والجيش جميعا قد شغبوا على، وطلبوا أرزاقهم وولغوا جميعا يشتمون وتكلموا بكل قبيح، وكان الفضل بن سهل بين يدي فأمر بإغلاق الأبواب وقال لي: قم فاصعد إلى المجلس الذي يتشرف فيه إشفاقا على من دخولهم، وسرعة أخذهم إياي وتعليلا لي بالصعود. فقلت له: ويحك ما يغنى الصعود والقوم يدخلون الساعة ليأخذوني. فلئن أكون بموضعي أصلح. فقال: اصعد فوالله ما تنزل إلا خليفة، فجعلت أهزء به وأعجب منه وأحسب أنه ما قال إلا ليستجسني وأردت الهرب من أبواب الدار، فلم يكن إلى ذلك سبيل لإحاطة القوم بالدار والأبواب. كلها. فألح على إلى أن صعدت وأنا وجل فجلست في المشرفات، وأنا أرى العسكر فلما علموا بصعودي اشتد طلبهم وشتمهم وضجيجهم، ونادوني بالوعيد والشتم فأغلظت على الفضل بن سهل وقلت له: