إنك أنت جاهل، وقد غررتني فلم تدعني أعمل برأيي وليس العجب إلا ممن قبل منك، وهو في هذا يحلف أنى لا أنزل إلا خليفة وغيظي عليه يزداد وتعجبي منه ومن حمقه ومواصلته الايمان مما يشاهده من الحال، وكان ما أقاسيه منه أشد مما أقاسيه من الجند، ثم وضعوا القوم النار في شوك وضعوه وأدنوه من الدار ونقبوا في سورها عدة نقوب، وثلموا فيه جزاء فذهبت نفسي جزعا، وعلمت بأني بين أن أحترق وبين أن يصلوا إلى فيقتلوني فهممت بأن ألقى نفسي إليهم، وقدرت أنهم إذا رأوني استحيوا وانصرفوا وجعل الفضل بن سهل يقبل يدي ورجلي ويناشدني أن لا أفعل، وحلف أنى لا أنزل إلا خليفة وفى يده الأصطرلاب ينظر فيه في الوقت بعد الوقت، فلما علا الامر واستحكم اليأس قال لي يا سيدي: والله أتاك الفرج أرى شيئا في الصحراء قد أقبل ومعه فرجنا فازددت من قوله غيظا، وأمرت غلماني بتأمل الصحراء فلم يروا شيئا. وجد القوم في الهدم والحريق، حتى هممت لما دخلني أن أرمى الفضل إليهم فقال الغلمان يا سيدي إنا نرى شيئا في الصحراء قد أقبل يلوح فنظرت فإذا شيخ وجعل يزيد تبيابا إلى أن تبينوا رجلا على بغل يلوح ثم قرب من العسكر، فقويت له قلوبنا ورأي الجند ذلك فتوقفوا وخالطهم فإذا هو يقول البشرى، هذا رأس علي بن عيسى معي في المخلاة، فلما رأوا ذلك أمسكوا عنا وانقلبوا بالدعاء لي، والسرور بالظفر والفتح فقال لي الفضل يا سيدي:
ائذن لي في ادخال بعضهم. فأذنت فشرط عليهم أن لا يدخل إلا من يريد.
فأجابوا إلى ذلك وسمى قوما من القواد يعدهم واحدا واحدا ففعلوا ذلك وأطفأ الله عز وجل تلك الثائرة ووهب لي السلامة وقلدني الخلافة وظفرت من أموال علي بن عيسى وما في عسكره بما أصلحنا به جنودنا * وذكر أيضا في " كتابه " قال:
حدثنا محمد بن مخلد، عن أبيه مخلد بن أزدى المدايني الكاتب قال: كان مخلد يلقب لبد لطول عمره فحدثني أن المأمون لما قدم العراق خطر له أن يقلد الأعمال إلى السبعة الذين قدموا معه من خراسان فطالت عطلة كتاب السواد وعماله، وكانوا يحضرون داره في كل يوم حتى ساءت أحوال أكثرهم فخرج يوما بعض مشائخ الشيعة، وكان مغفلا فتأمل مخلدا فلم ير أسن منه فجلس إليه