فمن ذلك ما رووا أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: أيها الناس لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله (صلع)، ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة من آخر الناس، فقالت: يا أمير المؤمنين (1) لم تمنعنا حقا (2) جعله الله عز وجل لنا، قال الله تبارك وتعالى: (3) وآتيتم إحديهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، فسكت وأرتج (4) عليه جوابها، ثم قال لمن حضره: تسمعوني، أقول هذا ولا تنكرونه على حتى ترده على امرأة (5) ليست من أعلم النساء، فعدوا هذا من فضائله عندهم، فكيف أوجبوا أن يقوم مقام رسول الله (صلع) من يجهل مثل هذا حتى ترده عليه امرأة ليست من أعلم النساء، أو تكون أعلم بالحق والصواب منه.
وكذلك قال وقد خطبهم: كانت بيعة أبى بكر فلتة (6) وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فأوجب بهذا القول قتل نفسه وجميع من عقد بيعة أبى بكر معه على رؤوس الناس، وأوجب به خلعه عنهم، لأنه باستخلاف أبى بكر جلس ذلك المجلس لا عن رأى منهم، بل أتوه فيه فقالوا: نناشدك (7) الله، أن تولى علينا رجلا غليظا فظا (8)، فقال: أبالله تخوفونني. نعم، إذا لقيت الله قلت: إني قد وليتهم خير أهلك.
فما أنكروا ذلك منه، ولا من أبى بكر، بل رأوا أن ذلك من مناقبهما ومن فضائلها.
وكذلك رووا أن أبا بكر خطبهم فقال: وليتكم ولست بخيركم فإن جهلت فقوموني، فرأوا ذلك أيضا منه فضلا (9).