ثم اعلم مع ذلك أن في كثير منهم شحا قبيحا وحرصا شديدا واحتكار للتربص للغلاء والتضييق على الناس، والتحكم عليهم، وفى ذلك مضرة عظيمة على الناس، وعيب على الولاة، فامنعهم من ذلك، وتقدم إليهم فيه، فمن خالف أمرك فخذ فوق يده بالعقوبة الموجعة (1) إن شاء الله.
وفيه مما ينبغي للوالي أن ينظر فيه من أمور أهل الفقر والمسكنة ولا تضيعن أمور الطائفة الأخرى من المساكين (2) وذوي الحاجة، وأن تجعل لهم قسما من مال الله، يقسم فيهم مع الحق المفروض الذي جعل الله لهم في كتابه من الصدقات: وافرق ذلك في عملك (3)، فليس أهل موضع أحق به من أهل موضع، بل لأقصاهم من الحق مثل ما لأدناهم، وكل قد استرعيت أمره فلا يشغلنك عن تعاهد أمورهم النظر في أمور غيرهم فإن لكل منك نصيبا لا تعذر بتضييعه، وتفقد حاجات مساكين الناس وفقرائهم، ممن لا تصل إليك حاجته، ومن تقتحمه العيون، وتحقره الناس عن رفع حاجته إليك، وانصب لهم أوثق من عندك في نفسك نصيحة وأعظمهم في الخير خشية وأشدهم لله تواضعا ممن لا يحتقر الضعفاء ولا يستشرف العظماء، ومره فليرفع إليك أمورهم، ثم انظر فيها نظرا حسنا، فإن هزيل الرعية أحوج إلى الانصاف والتعاهد من ذوي السمانة. وتعاهد أهل الزمانة والبلاء وأهل الضعف واليتم، وذوي الستر من أهل الفقر الذين لا ينصبون أنفسهم لمسألة يعتمدون عليها، فاجعل لهم من مال الله نصيبا تريد بذلك وجه الله والقربة إليه، فإن الأعمال إنما تخلص بصدق النيات.