وفيه (1) ذكر ما ينبغي للوالي أن ينظر فيه من أمر جنوده (2) ول أمر جنودك أفضلهم في نفسك حلما، وأجمعهم للعلم وحسن السياسة وصالح الأخلاق، ممن يبطئ عن الغضب، ويسرع إلى العذر (3) ويرأف (4) بالضعيف ولا يلح على القوى، ممن لا يسره العنف (5) ولا يقعد به الضعف.
والصق بذوي الفقه (6) والدين والسوابق الحسنة، ثم بأهل الشجاعة منهم، فإنهم جماع للكرم، وشعبة من العز، ودليل على حسن الظن بالله والايمان به، ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالد من ولده، ولا تعظمن في نفسك شيئا أعطيتهم إياه، ولا تحقرن لهم لطفا تلطفهم به، فإنه يرفق بهم كل ما كان منك إليهم وإن قل، ولا تدعن تفقد لطيف أمورهم اتكالا على نظرك في جسيمها، فإن للطيف موضعا ينتفع به، وللجسيم موضعا لا يستغنى (7) عنه، وليكونوا آثر رعيتك عندك وأفضلهم منزلة منك، وأسبغ عليهم في التعاون، وأفضل عليهم في البذل ما يسعهم ويسع من وراءهم من أهاليهم حتى يكون همهم خالصا في جهاد عدوك، وتنقطع همومهم مما سوى ذلك. وأكثر إعلامهم ذات نفسك لهم من الأثرة والتكرمة وحسن الارصاد، وحقق ذلك بحسن الآثار فيهم، واعطف عليك قلوبهم باللطف، فإن أفضل قرة أعين (8) الولاة استفاضة (9) الامن في البلاد، وظهور مودة الأجناد، فإذا كانوا كذلك سلمت صدورهم، وصحت بصائرهم واشتدت حيطتهم من وراء أمرائهم، ولا تكل جنودك إلى غنائمهم خاصة. أحدث لهم عند كل مغنم عطية من عندك تستضريهم بها وتكون داعية لهم إلى مثلها، ولا حول ولا قوة