ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي (1) سنن العدل التي سنت قبلك، فيكون الاجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها. وأكثر مدارسة العلماء ومناظرة الحكماء في تثبيت سنن العدل على مواضعها، وإقامتها على ما صلح به الناس، فإن ذلك يحيى الحق ويميت الباطل، ويكتفى دليلا به على ما صلح (2) به الناس، لان السنة الصالحة من أسباب الحق التي تعرف بها، ودليل أهلها على السبيل إلى طاعة الله فيها.
وفيه (3) معرفة طبقات الناس أعلم أن الناس خمس طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض. فمنهم الجنود ومنهم أعوان الوالي من القضاة والعمال والكتاب ونحوهم. ومنهم أهل الخراج من أهل الأرض وغيرهم، ومنهم التجار وذوو الصناعات، ومنهم الطبقة السفلى وهم أهل الحاجة والمسكنة، فالجنود تحصين الرعية بإذن الله، وزين الملك وعز الاسلام، وسبب الامن والحفظ (4)، ولا قوام للجند إلا بما يخرج الله لهم من الخراج والفئ الذي يقوون به على جهاد عدوهم، وعليه يعتمدون فيما يصلحهم، ومن تلزمهم مؤنته من أهليهم. ولا قوام للجند وأهل الخراج إلا بالقضاة والعمال والكتاب بما يقومون به من أمورهم ويجمعون من منافعهم، ويأمنون من خواصهم وعوامهم، ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار، وذوي الصناعات فيما ينتفعون به من صناعاتهم، ويقومون به من أسواقهم، ويكفونهم به من مباشرة الأعمال بأيديهم، والصناعات التي لا يبلغها رفقهم. والطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة يبتلون بالحاجة إلى جميع الناس، وفى الله لكل سعة. ولكل على الأمير حق بقدر ما يحق له، وليس يخرجه من حقه ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام به، والاستعانة بالله عليه، وأن يوطن نفسه على لزوم الحق فيما وافق هواه وخالفه.