وفيه مما ينبغي أن ينظر فيه الوالي من أمر عماله انظر في أمور عمالك الذين تستعملهم فليكن استعمالك إياهم اختيارا، ولا يكن محاباة ولا إيثارا، فإن الأثرة بالاعمال والمحاباة بها جماع من شعب الجور والخيانة لله وإدخال الضرر على الناس. وليست تصلح أمور الناس ولا أمور الولاة إلا بصلاح من يستعينون به على أمورهم، ويختارونه لكفاية ما غاب عنهم، فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والفقه والعلم والسياسة، والصق بذوي التجربة والعقول والحياء من أهل البيوتات الصالحة وأهل الدين والورع، فإنهم أكرم أخلاقا وأشد لأنفسهم صونا وإصلاحا، وأقل في المطامع إسرافا، وأحسن في عواقب الأمور نظرا من غيرهم، فليكونوا عمالك وأعوانك، ولا تستعمل إلا شيعتك منهم، ثم أسبغ عليهم العمالات، (1) وأوسع عليهم الأرزاق، فإن ذلك يزيدهم قوة على استصلاح أنفسهم، وغنى (2) عن تناول ما تحت أيديهم، وهو مع ذلك حجة لك عليهم في شئ إن خالفوا فيه أمرك، وتناولوا من (3) أمانتك، ثم لا تدع مع ذلك تفقد أعمالهم وبعثة العيون عليهم من أهل الأمانة والصدق، فإن ذلك يزيدهم جدا في العمارة، ورفقا في الرعية وكفا عن الظلم وتحفظا من الأعوان، مع ما للرعية في ذلك من القوة. واحذر أن تستعمل أهل التكبر والتجبر والنخوة، ومن يحب الاطراء والثناء والذكر ويطلب شرف الدنيا، ولا شرف إلا بالتقوى. وإن وجدت أحدا من عمالك بسط يده إلى خيانة، أو ركب فجورا اجتمعت لك به عليه أخبار عيونك مع سوء ثناء رعيتك، اكتفيت به عليه شاهدا، وبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته للناس، فوسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة، فإن ذلك يكون تنكيلا وعظة لغيره إن شاء الله تعالى.
(٣٦١)