ولو تقصينا مثل هذا لطال، وإنما كان أبو عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه وأصحابه ينكرون (1) على أبي حنيفة وأصحابه من أهل العراق لقربهم من التشيع، لأنهم أخذوا عن أصحاب على صلوات الله عليه لما كانوا بالعراق، فكانوا يرجون رجوعهم إلى الحق.
فأما مالك وأصحابه فقد علموا ما هم عليه وما يعتقدونه، وكان مالك له ناحية من السلطان فلم يكونوا يعارضونهم (2)، وكان مالك قد سمع من أبى عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه لكونه معه في المدينة فأسمعه ولم يكسر عليه شيئا لما أعرض عنه، وذلك أشد لبعده منه، نعوذ بالله من إعراض أوليائه (3).
وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.
وعن علي صلوات الله عليه أنه قال: تعلموا العلم قبل أن يرفع، أما إني لا أقول هكذا، ورفع يده، ولكن يكون العالم في القبيلة، فيموت فيذهب بعلمه، ويكون الآخر في القبيلة فيموت فيذهب بعلمه، فإذا كان ذلك اتخذ الناس رؤساء جهالا يفتون بالرأي ويتركون الآثار فيضلون ويضلون، فعند ذلك هلكت هذه الأمة.
وعنه عن رسول الله (صلع) أنه قال: من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض. وسأل رجل أعرابي ربيعة بن عبد الرحمن (4) عن مسألة فأجابه فقال الاعرابي: إن فعلت هذا، فهو في عنقك؟ فسكت ربيعة فرددها عليه وهو ساكت (5)، وأبو عبد الله جعفر بن محمد (ع) يسمعه، فقال: يا أعرابي، هو في عنقه، قال ذلك أو لم يقل.