وفيه مما ينبغي أن يأخذ الوالي به نفسه من الأدب وحسن السيرة ولابد وإن اجتهدت في إعطاء كل ذي حق حقه أن تطلع أنفس طوائف منهم إلى مشافهتك بالحاجات، وبذلك على الولاة ثقل ومؤونة والحق ثقيل، إلا على من خففه الله (تع) عليه، وكذلك ثقل ثوابه في الميزان، فاجعل لذوي الحاجات قسما من نفسك ووقتا تأذن لهم فيه وتسمع (1) لما يرفعونه إليك، وتلين لهم جناحك وتحمل خرق ذوي الخرق منهم، وعى أهل العى فيهم بلا أنفة منك ولا ضجر، فمن أعطيت منهم فأعطه هنيئا، ومن حرمت فامنعه بإجمال ورد حسن (2)، وليس شئ أضيع لأمور الولاة من التواني واغتنام (3) تأخير يوم إلى يوم وساعة إلى ساعة، والتشاغل بما لا يلزم عما يلزم، فاجعل لكل شئ تنظر فيه وقتا لا تقصر به عنه ثم أفرغ فيه مجهودك، وأمض لكل يوم عمله، وأعط لكل ساعة قسطها، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل (4) المواقيت وإن كانت كلها لله إذا صحت فيها نيتك، ولا تقدم شيئا على فرائض دينك في ليل ولا نهار حتى تؤدى ذلك كاملا موفرا، ولا تطل الاحتجاب، فإن ذلك باب من سوء الظن بك وداعية إلى، فساد الأمور عليك، والناس بشر لا يعرفون ما غاب عنهم. وتخير حجابك، وأقص منهم كل ذي أثرة على الناس وتطاول وقلة إنصاف. ولا تقطعن لاحد (5) من أهلك ولا من حشمك ضيعة، ولا تأذن لهم (6) في اتخاذها إذا كان يضر فيها بمن يليه من الناس. ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك فإن في الصلح دعة للجنود ورخاء للهموم وأمنا للبلاد، فإذا أمكنتك القدرة والفرصة من عدوك فانبذ عهده إليه واستعن بالله عليه، وكن أشد ما تكون لعدوك حذرا عندما يدعوك إلى الصلح، فإن ذلك ربما أن يكون مكرا وخديعة،
(٣٦٧)