وجماعات كتب خراجك، ودواوين جنودك كتابا تجهد نفسك في اختيارهم، فإنها رؤوس أمورك، وأجمعها لمنفعتك، ومنفعة رعيتك، فلا يكونن اختيارك لهم على فراستك فيهم، ولا على حسن الظن منك بهم، فإنه ليس شئ أكثر اختلافا لفراسة أولي الأمر، ولا خلافا لحسن ظنونهم من كثير من الرجال.
ولكن اخترهم على آثارهم فيما ولوا قبلك، فإن ذلك من صالح ما يستدل به الناس بعضهم على أمور بعض. واجعل لرأس كل أمر من تلك الأمور رئيسا من أهل الأمانة (1) والرأي، ممن لا يقهره كبير الأمور ولا يضيع (2) لديه صغيرها، ثم لا تدع مع ذلك أن تتفقد (3) أمورهم، وتنظر في أعمالهم، وتتلطف بمسألة ما غاب عنك من حالهم، حتى تعلم كيف حال معاملتهم للناس فيما وليتهم، فإن في كثير من الكتاب شعبة من عز ونخوات وإعجاب، ويسرع كثير (4) إلى التبرم بالناس، والضجر عند المنازعة، والضيق عند المراجعة، ولابد للناس من طلب حاجاتهم، فمتى جمعوا عليهم الابطاء بها والغلظة ألزموك عيب ذلك، فأدخلوا مؤنته عليك، وفى ذلك من صلاح أمورك مع مالك فيه عند الله من الجزاء حظ عظيم، إن شاء الله (5).
وفيه مما ينبغي للوالي (6) أن ينظر فيه من أمر طبقة التجار والصناع انظر إلى التجار وأهل الصناعات فاستوص بهم خيرا، فإنهم مادة للناس، ينتفعون بصناعاتهم وبما يجلبون إليهم من منافعهم ومرافقهم في البر والبحر من رؤوس الجبال وبلدان مملكة العدو، وحيث لا يعرف أكثر الناس مواضع ما يحتاجون إليه من ذلك، ولا يطيقون الاتيان به، ولا عمل ما يعملونه بأنفسهم، فلهم بذلك حق وحرمة يجب حفظهم لها (7)، فتفقد أمورهم واكتب إلى عمالك فيهم.