التصديق مع الطاعة، ولذا كفروا بالذنب لانتفاء جزء الماهية. وقال الكرامية: هو التصديق باللسان فقط، فإن طابق تصديق القلب فهو مؤمن ناج، وإلا فهو مؤمن مخلد في النار اه. ح.
قلت: وقد حقق في المسايرة أنه لا بد في حقيقة الايمان من عدم ما يدل على الاستخفاف من قول أو فعل، ويأتي بيانه. قوله: (والاقرار شرط) هو من تتمة القول الأول ح. أما على القول الثاني فهو شطر، لأنه جزء من ماهية الايمان، فلا يكون بدونه مؤمنا لا عند الله تعالى ولا في أحكام الدنيا، لكن بشرط أن يدرك زمنا يتمكن فيه من الاقرار، وإلا فيكفيه التصديق اتفاقا، كما ذكره التفتازاني في شرح العقائد. قوله: (لاجراء الاحكام الدنيوية) أي من الصلاة عليه، وخلفه والدفن في مقابر المسلمين والمطالبة بالعشور والزكوات ونحو ذلك ولا يخفى أن الاقرار لهذا الغرض لا بد أن يكون على وجه الاعلان والاظهار على الامام وغيره من أهل الاسلام، بخلاف ما إذا كان لاتمام الايمان فإنه يكفي مجرد التكلم وإن لم يظهر على غيره، كذا في شرح المقاصد. قوله: (بعد الاتفاق) أي بعد اتفاق القائلين بعدم اعتبار الاقرار. قال في شرح المسايرة: واتفق القائلون بعدم اعتبار الاقرار على أنه يلزم المصدق أنه يعتقد أنه متى طولب به أتى به، فإن طولب به فلم يقر به فهو - أي كفه عن الاقرار - كفر عناد، وهذا ما قالوا: إن ترك العناد شرط، وفسروه به: أي فسروا ترك العناد بأن يعتقد أنه متى طولب بالاقرار أتى به اه. بقي ما لو لم يعتقد ذلك بأن كان خالي الذهن، أو اعتقد أنه متى طولب به لا يأتي به، لكنه عندما طولب به أتى به، فهل يكفي نظرا لحصول المقصود أو لا يكفي نظرا لاشتراطهم الاعتقاد السابق؟، أقول: الظاهر أن المراد بالاشتراط المذكور نفي اعتقاد عدمه: فليحرر اه ح أي لا يعتقد أنه متى طولب به لا يقر، وفي شرح المقاصد وشرح التحرير ما يفيده، ونصه: ثم الخلاف فيما إذا كان قادرا، وترك التكلم لا على وجه الاباء، إذ العاجز كالأخرس مؤمن اتفاقا، والمصر على عدم الاقرار مع المطالبة به كافر وفاقا، لكون ذلك من أمارات عدم التصديق، ولهذا أطبقوا على كفر أبي طالب. اه. فظهر أن خالي الذهن لو أتى به عند المطالبة مؤمن لعدم الاصرار على عدم الاقرار، ومن اعتقد عدم الاتيان به عندها ليس مؤمنا، فلو أتى به عندها كان ذلك: إيمانا مستأنفا، هذا ما ظهر لي. قوله:
(من هزل بلفظ كفر) أي تكلم به باختياره غير قاصد معناه، وهذا لا ينافي ما مر من أن الايمان هو التصديق فقط أو مع الاقرار، لان التصديق وإن كان موجودا حقيقة لكنه زائل حكما، لان الشارع جعل بعض المعاصي أمارة على عدم وجوده كالهزل المذكور، وكما لو سجد لصنم أو وضع مصحفا في قاذورة فإنه يكفر وإن كان مصدقا، لان ذلك في حكم التكذيب، كما أفاده في شرح العقائد، وأشار إلى ذلك بقوله: للاستخفاف فإن فعل ذلك استخفافا واستهانة بالدين فهو أمارة عدم التصديق، ولذا قال في المسايرة: وبالجملة فقد ضم إلى التصديق بالقلب، أو بالقلب واللسان في تحقيق الايمان أمورا الاخلال بها إخلال بالايمان اتفاقا، كترك السجود لصنم وقتل نبي والاستخفاف به، وبالمصحف والكعبة، وكذا مخالفة أو إنكار ما أجمع عليه بعد العلم به، لان ذلك دليل على أن التصديق مفقود، ثم حقق أن عدم الاخلال بهذه الأمور أحد أجزاء مفهوم الايمان، فهو حينئذ التصديق والاقرار وعدم الاخلال بما ذكر، بدليل أن بعض هذه الأمور تكون مع تحقق التصديق