قلت: ولعلهم لم يقيدوا بهذا القيد لظهوره كما تقدم عن الرملي، لان المعلق على أمر لا يوجد بدونه، ولان مرادهم بيان أن مجرد عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه من السب ونحوه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة وليس كل إمام إذا فتح بلدة يشترط هذا الشرط الذي شرطه عمر، فلذا تركوا التصريح به على أن ما شرطه عمر على الشام ونحوها لا يجري حكمه على كل ما فتحه من البلاد ما لم يعلم اشتراطه عليهم أيضا.
فصار الحاصل: أن عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه ما لم يشترط انتقاضه به، فإذا اشترط انتقض: وإلا فلا إلا إذا أعلن بالشتم أو اعتاده لما قدمناه، ولما يأتي عن المعروضات وغيرها ولما ذكره ط عن الشلبي عن حافظ الدين النسفي إذا طعن الذمي في دين الاسلام طعنا ظاهرا جاز قتله، لان العهد معقود معه على أن لا يطعن، فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة اه. لكن مقتضى هذا التعليل اشتراط عدم الطعن بمجرد عقد الذمة، وهو خلاف كلامهم، فتأمل.
تنبيه: قيد الشافعية الشتم بما لا يتدينون به (1). ونقله في حاشية السيد أبي السعود عن الذخيرة بقوله: إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به بأن قال إنه ليس برسول أو قتل اليهود بغير حق أو نسبه إلى الكذب: فعند بعض الأئمة لا ينتقض عهده، أما إذا ذكره بما لا يعتقده ولا يتدين به كما لو نسبه إلى الزنا أو طعن في نسبه اه. قوله: (المقارن له) أي لعهد الذمة. قوله: (فالطارئ) أي بالسب. قوله: (فلو من مسلم قبل) أي إن لم يتب لا مطلقا، خلافا لما ذكره في الدرر هنا والبزازية وغيرهما، فإنه مذهب المالكية لا مذهبنا، كما سيأتي تحريره، فافهم. قوله: (ويؤدب الذمي ويعاقب الخ) أطلقه فشمل تأديبه وعقابه بالقتل، إذا اعتاده، وأعلن به كما يأتي، ويدل عليه ما قدمناه آنفا عن حافظ الدين وجميع الظلمة وجميع الكبائر، وأنه أفتى الناصحي بقتل كل مؤذ.
ورأيت في كتاب الصارم المسلول لشيخ الاسلام ابن تيمية الحنبلي ما نصه: وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا: لا ينتقض العهد بالسب، ولا يقتل الذمي بذلك، لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من إظهار أصواتهم بكتابهم ونحو ذلك، وحكاه الطحاوي عن الثوري، ومن أصولهم: يعني الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل إذا تكرر، فللامام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك، ويحملون ما جاء عن النبي (ص) وأصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم، على أنه رأى المصلحة فذلك ويسمونه القتل سياسة.
وكان حاصله: أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي تعظمت بالتكرار، وشرع القتل في