قبولها إنما يكون عند ابتداء وضعها، وهو حينئذ لم يكن له عهد ذمة حتى ينتقض، ويمكن تصويره فيمن دخل في عقد الذمة تبعا ثم صار أهلا كالمجنون والصبي، فإذا أفاق أو بلغ أول الحول توضع عليه فإذا امتنع انتقض عهده. أفاده ط. قوله: (أو يجعل نفسه طليعة للمشركين) هذا مما زاده في الفتح أيضا، لكن لم يذكره هنا بل ذكره في النكاح في باب نكاح المشرك. قوله: (بأن يبعث ليطلع الخ) صورته: أن يدخل مستأمن ويقيم سنة، وتضرب عليه الجزية وقصده التجسس على المسلمين ليخبر العدو ط. قوله: (فلو لم يبعثوه) بأن كان ذميا أصليا وطرأ عليه هذا القصد. ط. قوله:
(وعليه يحمل كلا المحيط) حيث قال: لو كان يخبر المشركين بعيوب المسلمين أو يقاتل رجلا من المسلمين ليقتله لا يكون نقضا للعهد، وهذا التوفيق لصاحب البحر، وأقره في النهر وغيره، ويشعر به تعبير الفتح بالطليعة، فإن الطليعة واحدة الطلائع في الحرب، وهم الذين يبعثون ليطلعوا على أخبار العدو كما في البحر عن المغرب. قوله: (في كل أحكامه) فيحكم بموته باللحاق، وإذا تاب تقبل توبته وتعود ذمته وتبين منه زوجته الذمية التي خلفها في دار الاسلام إجماعا، ويقسم ماله بين ورثته. فتح. وتمامه في البحر. قوله: (والمرتد يقتل) لان كفره أغلظ. بحر. قوله: (والمرتد يجبر على الاسلام) أما المرتدة فإنها تسترق بعد اللحاق: رواية واحدة وقبله في رواية. بحر. قوله: (بقوله نقضت العهد) لأنه لا ينتقض عهده بالقول بل بالفعل كما مر، بخلاف الأمان للحربي.
قلت: ولعل وجه الفرق أن أمان الحربي على شرف الزوال لتمكنه من العود متى أراد، فهو غير لازم، بخلاف عهد الذمة فهو لازم لا يصح الرجوع عنه، ولذا لا يمكن من العود إلى دار الحرب فيجبره الامام على الجزية ما دام تحت قهره، بخلاف ما إذا لحق بدارهم أو غلبوا على موضع أو جعل نفسه طليعة أو امتنع عن قبول الجزية، لأنه في الأولين صار حربا علينا، كما مر، وفي الثالث: أنه لم يقصد العهد بل جعله علم وصلة إلى إصراره بنا، وفي الرابع: لم يوجد منه ما يدفع عنه القتل بخلاف ما إذا امتنع عن أدائها، ولذا قال الزيلعي وغيره: لان الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها، والالتزام باق فيأخذها الامام منه جبرا اه. وبهذا اندفع ما استشكله في النهر من أنه لو امتنع عن قبولها نقض عهده، وليس ذلك إلا بالقول. وجه الدفع أن الانتقاض لم يجئ من قوله لا أقبل، بل من عدم وجود ما يدفع عنه القتل وهو التزام أدائها، بخلاف امتناعه عن أدائها بقوله: لا أؤديها، فإنه قول وجد بعد التزامها الدافع للقتل، ولا يزول ذلك الالتزام به، وكذا بقوله: نقضت العهد لما قلنا، من أنه لازم لا يملك فسخه صريحا، ولا دلالة ما دام تحت قهرنا، فافهم. واندفع به أيضا ما أورده في الدرر من أن امتناعه عن أدائها بقوله لا أعطيها ينافي بقاء الالتزام، لما قلنا من لزوم ذلك الالتزام، وأنه لا يملك نقضه صريحا، فكذا دلالة بالأولى فيجبر على أدائها ما دام مقهورا في دارنا، ثم رأيت الحموي أجاب بنحوه، والله تعالى أعلم. قوله: (بل عن قبولها) أي بل ينتقض عهده بالإباء عن قبولها، وقدمنا تصويره، وقد علمت آنفا وجه الفرق بين