العلماء العاملين، الخالين عن دار الحسد المضني للجسد الصادقين المنصفين. فدونك كتابا قد أعملت فيه الفكر، وألزمت فيه الجفن والسهر، وغرست فيه من فنون التحرير أفنانا، وفتقت فيه عن عيون المشكلا ت أجفانا، وأودعت فيه من كنوز الفوائد، عقود الدرر الفرائد، وبسطت فيه من أنفع المقاصد، أحسن الموائد، وجلوت فيه على منصة الانظار، عرائس أبكارها الأفكار، وكشفت فيه بتوضيح العبارات، قناع المخدرات، ولم أكتف بتلويح الإشارات، عن تنقيح كشف تحرير الخفيات، فهو يتيمة الدهر، وغنيمة أهل العصر، وما ذاك إلا بمحض إنعام المولى، الذي هو بكل حمد وشكر أحق وأولى، حيث أبرز هذه الجواهر المكنونة، والدرر الفرائد المصونة، في ميمون أيام خليفة الله في أرضه، القائم بواجب حقه وفرضه، رافع ألوية الشريعة البديعة ومؤيدها، وموطد أبنيتها المنيعة والرفيعة ومشيدها، المجاهد في سبيل الله حق جهاده، والقاطع لدابر الكافرين بحده واجتهاده، الذي ابتسمت ثغور البلاد ببارقات مرهفاته وبكت عيون ذوي العناد بقاهرات عزماته، وأبدع نظام كتائب الجيوش بآرائه السديدة، ورفع أفئدة الأكاسرة القياصرة بقوة بطشته الشديدة، يكاد سنا برق طلعته يذهب بالابصار، وغصن رأفته يميس لينا كميس الأغصان ذات الأزهار، وتكاد صواعق سطوته تزيح صم الجبال، ومواكب كتائب حوزته تفني عدد الرمال، من أنام الأنام في أيامه في ظل الأمان، ورعى الرعية في مراعي الرعاية والاحسان، وأنار بنوار رياض أمنه بلاد المسلمين، فضاء صدورهم بنور اليقين، وأزاح غيوم غمومهم بردع المشركين، فلاح فلاح قلوبهما لناظرين، راح وراح غفلاتهم بإيقاظ النائمين، فصاح ألسنتهم بالدعاء له كل حين:
خليفة خلفت أنوار غرته شمس الضحى ونداه يخلف الديما سالت فواضله للمعتفي نعما * صالت نواضله للمعتدي نقما السلطان الأعظم، والخاقان الأفخم، تاج ملوك العرب والعجم، ظل الله في أرضه للأمم، محمود الذات، ممدوح الصفات، لا زالت دعائم سلطنته قائمة، وعيون الحوادث عنها نائمة، ولا برحت رياض عزته مخضرة بديم الديمومة والأبود، ورياحين ذريته، ريانة بطلاوة التأبيد والخلود، ولا زالت أعيان دولته من علمائه وقضاته ووزرائه، يزيل نبراس آرائهم دجى الجور بسناه وسنائه، ولا فتئت نجوم جنوده الساطعة في أفلاك سمائه، شهبا ثواقب على مردة أعدائه، آمين آمين آمين.
وهذا، وقد نجز هذا السفر المسفر عن روض أريض مزهر، مقابلة وتصحيحا بحسب الامكان، سوى ما شد بعروض سهو أو نسيان، لا تخلو عنه جبلة الانسان، وذلك برسم من أمر باستكتابه، رغبة في نيل رضا مولاه وثوابه الامام الهمام، علي القدر والمقام، من امتطى الجوزاء بزمام، وصال في مواكب العز وحام، واشتهر اشتهار البدر في الظلام، قاضي قضاة الاسلام، منفذ القضايا والاحكام بالإتقان والاحكام، ذي الخيرات الحميدة، والمآثر الفريدة التي لا ترام، مولانا عبد الحليم أفندي كجه جي زادة القاضي سابقا بدمشق الشام، دام في عز وإنعام، ومجد واحترام، بجاه من هو للأنبياء ختام، وآله وصحبه السادة الكرام، عليه وعليهم الصلاة والسلام، في البدء والختام.
كتبه أسير وصمة ذنبه، الراجي عفو ربه محمد أمين الشهير بابن عابدين، غفر الله تعالى له ولوالديه ولكل المسلمين، آمين، آمين، آمين.