لو وجب على البعض لكان الآثم بعضا مبهما وذا غير مقبول، وإلى أنه قد يصير بحيث لا يجب على أحد، وبحيث يجب على بعض دون بعض، فإن ظن كل طائفة من المكلفين أن غيرهم قد فعلوا سقط الواجب عن الكل، وإن لزم منه أن لا يقوم به أحد، وإن ظن كل طائفة أن غيرهم لم يفعلوا وجب على الكل، وإن ظن البعض أن غيرهم أتى به وظن آخرون أن غيرهم ما أتى به وجب على الآخرين دون الأولين، وذلك لا الوجوب ها هنا منوط بظن المكلف، لان تحصيل العلم بفعل الغير وعدمه في أمثال ذلك في حيز التعسر، فالتكليف به يؤدي إلى الحرج. وتمامه في مناهج العقول، وإلى أنه لم يجب على الجاهل به، وما في حواشي الكشاف للفاضل التفتازاني: إنه يجب عليه أيضا فمخالف للمتداولات اه. قوله: (في زمن ما) مفهومه أنه إذا قام به البعض في أي زمن سقط عن الباقين مطلقا، وليس كذلك ط. لما تقدم من أنه يجب على الامام في كل سنة مرة أو مرتين وحينئذ فلا يكفي فعله في سنة عن سنة أخرى. قوله: (من المكلفين) أي العالمين به كما مر، ونظيره أنه لو مات واحد من جماعة مسافرين في مفازة، فإنما يجب تكفينه والصلاة عليه كفاية على باقي رفقائه العالمين به دون غيرهم. قوله: (وإياك الخ) كذا في شرح ابن كمال، ومثله في الحواشي السعدية.
قوله: (بقيام أهل الروم مثلا) إذ لا يندفع بقتالهم الشر عن الهنود المسلمين. نهر عن الحواشي السعدية، ثم قال فيها: وقوله تعالى: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * (سورة التوبة: الآية 321) يدل على أن الوجوب على أهل كل قطر، ثم قال في موضع آخر. والآية تدل على أن الجهاد فرض على كل من يلي الكفار من المسلمين على الكفاية، فلا يسقط بقيام الروم عن أهل الهند، وأهل ما وراء النهر مثلا كما أشرنا إليه اه. قال في النهر: ويدل عليه ما في البدائع، ولا ينبغي للامام أن يخلي ثغرا من الثغور من جماعة من المسلمين فيهم غناء وكفاية لقتال العدو، فإن قاموا به سقط عن الباقين، وإن ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة وخيف عليهم من العدو، فعلى من وراءهم من المسلمين الأقرب فالأقرب أن ينفروا إليهم، وأن يمدوهم بالسلاح والكراع والمال لما ذكرنا: إنه فرض على الناس كلهم ممن هو من أهل الجهاد، ولكن سقط الفرض عنهم لحصول الكفاية بالبعض فما لم يحصل لا يسقط اه.
قلت: وحاصله أن كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الامام أو على أهل ذلك الموضع حفظه، وإن لم يقدروا فرض على الأقرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو، ولا يخفى أن هذا غير مسألتنا وهي قتالنا لهم ابتداء، فتأمل. قوله: (بل يفرض على الأقرب فالأقرب الخ) أي يفرض عليهم عينا، وقد يقال كفاية بدليل أنه لو قام الابعد حصل المقصود فيسقط عن الأقرب، لكن هذا ذكره في الدرر فيما لو هجم العدو. وعبارة الدرر: وفرض عين إن هجموا على ثغر من ثغور الاسلام، فيصير فرض عين على من قرب منهم، وهم يقدرون على الجهاد. ونقل صاحب النهاية عن الذخيرة أن الجهاد إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العدو، فأما من وراءهم يبعد من العدو فهو فرض كفاية عليهم، حتى يسعهم تركه إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز من كان يقرب من العدو عن المقاومة مع العدو أو لم