النصاب كان ما دونه بمنزلة العدم كما في البحر، وتقدم أن الشرط أن يصيب كل واحد نصاب: أي إذا كانوا جماعة، ومثل ما دون النصاب الأشياء التي لا قطع فيها كالتافه، وما يتسارع إليه الفساد، كما نبه عليه الزيلعي. قوله: (ولو كان) مع هذا الاخذ أي أخذ ما دون النصاب المفهوم من قوله: ولم يأخذ نصابا فافهم. قوله: (لان المقصود هنا المال) أي أنه المقصود في قطع الطريق، وهذا جواب عن طعن عيسى بن أبان في المسألة أن القتل وحده يوجب الحد فكيف يمتنع مع الزيادة؟ قال الزيلعي: وجوابه أن قصدهم المال غالبا فينظر إليه لا غير، بخلاف ما إذا اقتصروا على القتل، لأنه تبين أن مقصدهم القتل دون المال فيحدون، فعدت هذه من الغرائب اه.
قلت: وبيانه أن قطع الطريق سمي سرقة كبرى، لان مقصود القطاع غالبا أخذ المال، وأما القتل فإنما هو وسيلة إلى أخذ المال، لكن إذا أخافوا فقط أو قتلوا فقط رتب عليه الشرع حدا فيتبع لأنه تبين أنه المقصود دون المال. أما إذا وجد مع ذلك أخذ مال ظهر أن مقصودهم ما هو المقصود الأصل وهو المال فحينئذ ينظر إليه: فإن بلغ نصابا لكل منهم وجب الحد لوجود شرطه، وإلا فلا حد لعدمه، وحيث لا حد وجب موجب القتل من قصاص أو دية ووجب ضمان المال، فافهم.
قوله: (أو قتل عمدا) قيد بالقتل ليعلم حكم أخذ المال بالأولى. بحر. قوله: (ومن تمام توبته رد المال الخ) أي لينقطع به خصومة صاحبه، ولو تاب ولم يرده لم يذكره في الكتاب. واختلفوا فيه فقيل: لا يسقط الحد كسائر الحدود، وقيل يسقط، أشار إليه محمد في الأصل، لان التوبة تسقط الحد في السرقة الكبرى بخصوصها للاستثناء في النص، فلا يصح قياسها على باقي الحدود مع معارضة النص. فتح. وظاهره ترجيح القول الثاني، فقول الشارح: فقيل لا حد فيه نظر لأنه يفيد ضعفه. والظاهر أن هذا الخلاف عند عدم التقادم لما في النهر عن السراج: لو قطع الطريق وأخذ المال ثم ترك ذلك وأقام في أهله زمانا ثم قدر عليه درئ عنه الحد، لأنه لا يستوفي مع تقادم العهد اه. قال في النهر: وبه علم أن مجرد الترك ليس توبة بل لا بد أن تظهر عليه سيماها التي لا تخفى. قوله: (أو كان منهم غير مكلف) أي صبي أو مجنون لأنها جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة، وأنه لا يثبت الحكم كالعامد والمخطئ إذا اشتركا في القتل حيث لا يجب القود. وعن أبي يوسف: يحد الباقون لو باشر العقلاء. زيلعي. قوله:
(أو أخرس) أي خلافا لأبي يوسف. زيلعي. قوله: (أو كان ذو رحم محرم) كان تامة وذو فاعل، والمراد به أحد القطاع، وقوله: من أحد المارة متعلق بمحرم، والعلة فيه كما فيما قبله، وشمل ما إذا كان المال مشتركا بين المقطوع عليهم أو لا، لكن لم يأخذوا إلا من ذي الرحم المحرم، وما إذا أخذوا منه أو من غيره فلا يحدون في الأصح، كما في النهر وغيره.
تنبيه: لو كان في القافلة مستأمن لا يمتنع الحد، مع أن القطع عليه وحده يمنعه كما قدمناه، والفرق كما في الفتح أن الامتناع في حق المستأمن إنما كان لخلل في عصمة نفسه وماله وهو أمر يخصه، أما هنا فهو لخلل في الحرز، والقافلة حرز واحد فيصير كأن القريب سرق مال القريب وغير